إرهاصات الحسم ..!
إرهاصات الحسم ..!
البناء// 25-10-2010
محمد شمس الدين
بدأت التسريبات حول تأجيل إصدار القرار الظني تنطلق، منسوبة الى مصادر متفرِّقة طالما صدقت توقعاتها على هذا الصعيد، ما يعني أن القمة السورية - السعودية قد نجحت في لجم التدهور الذي كان يسير بخطى متسارعة نتيجة التصعيد السياسي، لا سيما في ظل الخطابات النارية التي شهدتها الفترة الأخيرة على خلفية قضية «الشهود الزور»، وما أدلى به رئيس الحكومة سعد الحريري للصحافة بهذا الشأن.
مصادر عربية متابعة قالت إن ما فعلته قمة الرياض الأخيرة بين الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد هو الاتفاق على إعطاء مهلة اكبر للفرقاء اللبنانيين لإيجاد مخارج مناسبة للخلاف القائم حول مسألة «شهود الزور» التي وضعت البلد أمام مفترق طرق خطر بفعل الإصرار على حمايتهم لإخفاء من يقف خلفهم، وهو الأمر الذي وضع ميزانا جديدا للتعاطي مع ما يعرف بـ»القرار الظني» المنتظر صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة، والذي كان من المرجح أن يطل برأسه في أواخر السنة الجارية، إلا أن الحديث الذي بدأ يسري في الأوساط السياسية يشير الى أن الموعد الجديد لذلك قد أصبح في أواخر شهر آذار المقبل أي مع بدء موسم الربيع.
وترى الأوساط نفسها أن حزب الله قد نجح حتى الآن بتأخير مواجهة الخطر الناجم عن صدور القرار الذي يتضمن اتهامات لـ»عناصر غير منضبطة» منه بحسب ما ابلغه الحريري الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على هامش إحدى الجلسات بينهما، وذلك من خلال محطتين رئيسيتين، الأولى: من خلال ما عرف بالقرائن التي تفترض ضلوع «إسرائيل» في عملية إغتيال الحريري، والثانية: ملف «الشهود الزور». إلا أن أحدا لا يستطيع التكهن بالمدى الذي ستصل اليه الأمور في حال بقيت المواقف على حالها، خصوصا وأن المظلة السعودية - السورية لن تستطيع الصمود طويلاً بفعل حماوة الاستحقاقات التي يواجهانها في المنطقة، لا سيما في الملف العراقي الذي لم ترض السعودية بما أنجز فيه حتى الآن. غير أن تعقيدات الملف اللبناني قد أبقت على اتفاق واضح بين الجانبين يقضي بضرورة تجنب الاسوأ من دون تقديم أفكار لحلول جذرية تخرج لبنان من مأزق التأزم، في حين أن ما اتفق عليه من تأخير صدور القرار الظني قد دخل حيز التنفيذ العملي.
وبالرغم من ذلك، فإن المصادر العربية تتخوف من أن يتفاجأ اللبنانيون بإقدام المحكمة على خطوة في غير السياق الذي يجري الحديث عنه، بفعل الضغوطات الكبيرة التي تمارسها الإدارة الأميركية عليها، علما أن تحرك مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان باتجاه لبنان الأسبوع الماضي، إنما انطلق من السعودية و على وجه السرعة لحسم الجدل حول مبدأ إلغاء المحكمة قبل وصول الرئيس السوري اليها، حيث أن الرياض قد تبنت نظرية «تأجيل» إصدار القرار الظني وابتعدت عن طرح فكرة إلغاء المحكمة، بعد ان كانت شعرت بأن هذه الأخيرة قد تتحول الى وبال على المنطقة عموما ولبنان وما يعنيها فيه خصوصا، إثر التحولات التي فرضتها الأحداث في السنوات الأربع الماضية وتراجع المشروع الأميركي الذي تبنته في لبنان ومنه، بعد أن «سقط» بالضربة التي تلقاها في أحداث 7 أيار 2008.
وإزاء طرح مثل تلك المخاوف، فإن المصادر العربية نفسها تلقي الضوء على وضع لبنان الداخلي من حيث سلامة البنية السياسية في ظل ما يعرف بحكومة الوحدة الوطنية، مشيرة الى أن ما يفرقها هو أكثر مما يجمعها، في حين أن طرفيها قد أصبحا أمام حائط مسدود يستدل عليه من المواقف التي لم تلن انسجاما مع نتائج قمة الرياض، ما يفسر أن القمة نفسها لم تنجح بالقدر المأمول منها ما انعكس احتقانا واضحا على الساحة اللبنانية، حيث باتت الأطراف تنتظر بعضها في من يُقدم على «الخطوة الأولى»، في لعبة عض أصابع واضحة، ما يشكل وضعا مثاليا لـ»إسرئيل» للدخول على خط إثارة الفتن عبر أدواتها الفاعلة على الساحة اللبنانية.
المسافة التي تفصلنا عن الموعد الجديد المفترض للقرار الظني ليست طويلة قياسا بحجم الأحداث التي تمر فيها المنطقة، إلا أنها قد تكون فترة قاتلة نظراً للضغوطات التي يتعرض لها الوضع الداخلي في لبنان في ظل شلل حكومي بات مستفحلا بعد انقضاء العام الأول على ولادة الحكومة، دون تحقيق اي انجاز يذكر على المستويات المعيشية والاقتصادية والتي يرزح اللبنانيون تحت أعبائها، ما يؤكد على أن الهدف الذي رسمه سعد الحريري من خلال توليه رئاستها لا علاقة له بما بنيت على أساسه من شعارات تتقدمها «الوحدة الوطنية»، وإنما على أساس «إصابة عصفورين بحجر واحد»، عصفور الثأر «ممن قتل والده»، وعصفور الركوب على صهوة المشروع الدولي لقطع رأس حزب الله عبر المحكمة الدولية.
السؤال الملح حاليا يدور حول امكانية استمرار الحكومة الحالية على النحو الذي هي عليه وبالأداء الذي يفرضه وجود الحريري على رأسها. فالحديث المضطرد حول التهدئة لا يعني بالضرورة وجودها وهي ليست كذلك، والتي لا يظهر لها اي اساس، كما لا ينفي سعي كل الأطراف الى الحسم الذي اصبح مطلب كل المجتمع اللبناني مهما كانت نتائجه، لأنه يبقى أرحم من حالة «التذبذب» القائمة، والتي من الممكن أن تستمر الى ما لا نهاية في ظل الإختلال الواضح في موازين القوى بين الأطراف في الداخل، في حين أنه يقف في الخارج عند حدود توازن الرعب الذي فرضته حروب المنطقة.
تعليقات