القرار الاتهامي.. بالمعايير الإقليمية!

القرار الاتهامي.. بالمعايير الإقليمية!

البناء 8 تشرين الثاني 2010
 محمد شمس الدين
للمرة الثانية والرواية واحدة. فقد أعلن حزب الله على لسان مسؤول العلاقات الدولية فيه بعد لقائه وزير الخارجية الفرنسية برنارد كوشنير، خلال زيارته بيروت في اليومين الماضيين، بأن الأخير قد لمَّح اثناء المحادثات بينهما، الى ما سيتضمنه «القرار الاتهامي» الذي سيصدر عن المحكمة الدولية من اتهامات لعناصر من حزب الله، بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، غير أن كوشنير نفى ذلك في مؤتمره الصحافي الذي عقده في قصر الصنوبر في نهاية زيارته بعد ظهر أول من أمس، في استعادة للسيناريو نفسه الذي سبق واعتمده رئيس الحكومة سعد الحريري بعد إبلاغه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بالاتجاه الذي تسير فيه المحكمة في بناء قرارها الظني قبل مدة من الزمن.
ما يؤشر اليه هذا التصرف، هو أن الأمر بات محسوما، وما زالت الأطراف المعنية الموجِهة للمحكمة الدولية سياسيا تسعى الى قياس رد الفعل في حال «الإعلان» عن القرار الاتهامي، «الصادر» عمليا حسبما تؤكد تصريحات حزب الله وحلفائه. علما أن التقارير الصحافية التي وزعت يمنة ويسرى وتتضمن أسماءً من حزب الله تقول أنها ضالعة في هذا الأمر، إنما يؤكد التوجه الذي تسير فيه الأمور وذلك في محاولة لغسل دماغ المجتمع وتكريس هذه الادعاءات قبل الإقدام على الإعلان رسميا عما يتضمنه، في حين بدا التسويق لـ»شاهد ملك» جديد يتردد أنه من ضمن «صفوف» حزب الله، إنما هو لإضفاء مزيد من المصداقية على سَوق الاتهامات.
ماذا بعد التصعيد الحاصل على هذا المستوى؟ بعدما «حشر» حزب الله المحكمة الدولية وأخصامه السياسيين في لبنان في زاوية ادعاءاتهم وذلك من خلال أمرين:
الأول: ملف شهود الزور الذين اعترف بهم الحريري الإبن علناً، ما «طيّر» عمليا جلسات الحكومة التي من المرجح أن تستمر على هذا النحو في الأسابيع القليلة المقبلة، في حين أكثَر رئيسها من طيرانه متلهياً باعمال لا تتصل بمهامه بشكل مباشر داخل البلاد وخارجها، وسط إصرار على عدم إحالة هذا الملف الى المجلس العدلي، لأن في ذلك حسب مصدر قضائي استعادة لبنانية لملف القضية من المحكمة الدولية، أو على الأقل المشاركة فيه، وهذا ما لا ينسجم مع ما هو مخطط لتحقيق الأهداف السياسية و»الأمنية» وحتى «العسكرية» منها، التي وضعت للمحكمة بغض النظر عما إذا كانت تلك المحكمة تريد أو تستطيع، أن تكشف المجرمين الحقيقيين الذين نفذوا جريمة اغتيال الحريري. وفي هذا السياق قد يقنع إبن القتيل بأنه حصل على حقه، إذا ما حقق المجتمع الدولي أهدافا من خلال هذه القضية تعود بالفائدة على «الوريث» وتخدم «وراثته» ربما أجيالا من الزمن.
الثاني: إعلان الأمين العام لحزب الله عن مقاطعة التحقيق الدولي وكل ما يتصل بعمل المحكمة، إثر حادثة العيادة النسائية في الضاحية الجنوبية قبل اقل من اسبوعين، ليفتح القضية على مسار جديد يسرّع في حسم التردد حتى عند الجهة الراعية لعمل المحكمة، خصوصا وأن تداعيات ما تنظر به تلك الاخيرة لا يمكن حصرها داخل لبنان، بل تتجاوزه الى بازار التجاذبات الإقليمية بعد إخفاق المملكة العربية السعودية في الاحتفاظ بدور اساسي في العملية السياسية الجارية في المنطقة، وتحديدا من خلال البوابة العراقية حيث خسرت الكثير، بعد «عبور» الاتفاق الإيراني - الأميركي لدعم نوري المالكي بتولّي رئاسة الحكومة قاطعا الطريق على كل السياقات التي كانت المملكة تحضر نفسها لها، ولا سيما أن مشروعها عبر لبنان قد اصطدم بحواجز صلبة أعاقت بلوغه الأهداف المنشودة.
ليس صحيحا الحديث عن تباينات في المواقف والآراء داخل إدارات الدول المعنية بالملف اللبناني وتحديدا في كل من فرنسا والعربية السعودية، ذلك أن ما عكسته زيارة كوشنير الى بيروت لا ينفصل عما عبرت عنه الرئاسة الفرنسية حيال القضية نفسها، كذلك الأمر بالنسبة الى الملك السعودي والإدارة التي تعمل تحت إمرته، إلا أن تلك الدول «تتمنى» عدم وصول الأمور الى «الهاوية» لكنها لن تتخلى عن دورها أو عما تعتبره حقا مكتسبا لها. وعلى هذا الاساس فإن المنتظر من المحكمة الدولية قرار اتهامي بات الآن مرتبطا بما ستؤول اليه الأوضاع على الساحة العراقية التي امتلأت بالدماء الأسبوع الماضي، وهي ربما تشهد المزيد قبل حسم التجاذبات حول الحكومة وحصص الدول الإقليمية فيها. لكن ذلك قد لا يفي بالغرض لوضع حد للسيف المسلط على لبنان، إذ انه يجب ألا يتم إغفال العامل «الإسرائيلي» الذي ينتظر بدوره، لحصد نتائج عمل تلك المحكمة في ما يخص هذا الجزء من صراعه مع لبنان.
حالة الانتظار والجمود التي تطبع المرحلة الراهنة في لبنان ستنكسر حكما، بعد الكلام الذي سيطلقه الأمين العام لحزب الله في كلمته المنتظرة في يوم شهيده في الحادي عشر من الجاري، والتي سترسم معالم الطريق حيال «محكمة الاقتصاص» من لبنان. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار