حزب الله يواجه.. "وحيداً"
حزب الله يواجه.. "وحيداً" /
محمد
شمس الدين /
يتكشف
المشهد تدريجياً عن المواجهة المتصاعدة بين حزب الله في لبنان والولايات المتحدة
الأميركية بشكل مباشر هذه المرة عبر سفيرتها المعتمدة في بيروت و"منظومتها
السياسية
من محليين وخارجيين، وفي مقدمة هؤلاء
"خزنة التمويل" المتمثلة بسفير السعودية المفتوحة دارته في الحازمية
للمشاورات والإستقبالات لإدارة الأزمة، في تدخل لا يقل عن درجة التدخل الأميركي في
الشؤون الداخلية للبنان.
المواجهة المحتدمة التي اتخذت شكلاً
اقتصادياً – مالياً فرضه الأميركيون على البلد بهدف تطويع حزب الله عبر الضغط على
"الشعوب" اللبنانية في محاولة لتوحيدها ضده، لا يبدو أنها ستخمد في وقت
قريب إذ أن ذروتها لم تبلغ بعد وإنما ما زالت في مرحلة الإستعدادات. هذا ما عبرت
عنه المواقف التي أطلقت أخيراً، إن في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن
نصرالله، أو من خلال نشاط الأميركيين الدبلوماسي "المدعوم عسكرياً"،
حسبما أوحت زيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال ماكنزي إلى بيروت
ولقاءه مسؤولين في الدولة، ومحاولته - التي رُدِعت - زيارة المقر الذي قتل فيه
جنود المارينز في بيروت قرب المطار عام 1983 بضربة وجهها آنذاك حزب الله، وكان ما
يزال في بداياته، في إطار مواجهته الإجتياح الإسرائيلي للبنان و"تداعياته".
ما أعلنه وزير الخارجية الأميريكة مايك
بومبيو من واشنطن إثر التحرك الأميركي في بيروت، جاء ليؤكد، أن الضغوط ستزداد في
الفترة المقبلة، وأن الأمور مفتوحة على كل الإحتمالات. لكن المواجهة التي يبدو أن
حزب الله يخوضها "وحيداً" في لبنان تطرح السؤال عن مواقف الدولة
تحديداً، والتي "يستميت" الحزب في الدفاع عنها بينما هي لا تحرك ساكناً،
إذ لا يكفي أن يُسرَب كلام عن رئاسة الجمهورية، نقلته وسيلة إعلامية رئيسية،
مضمونه خوض المواجهة، فيما تمعن الدولة بمؤسساتها الدستورية في "النفاق
الدبلوماسي" والكلام غير المفهوم لا في السياسة ولا في غيرها، فيما البلد
يغرق بفعل فاعل أميركي يعترف بأنه من يقف خلف تلك الإنهيارات المالية والعقوبات
التي تطال الجميع ما عدا حفنة من السياسيين والمصرفيين الذين حصلوا على ضمانات
أميركية بعدم المس بأموالهم وامتيازاتهم، إذا غضوا الطرف عن الممارسات الأميركية
الهادفة إلى إسقاط لبنان في حفرة الأزمات المتلاحقة التي تعرض كيانه للخطر.
حتى الآن تبدو المواجهة مفتوحة على خط المال
والإقتصاد عبر العقوبات وصولاً إلى التجويع والظلام، لكن ذلك لا يلغي أن خطر
التدهور الأمني والفلتان الناجم عن تلك الضغوط الذي تتداوله بعض الأوساط المعنية
وفي ظل المعلومات التي عادت أيضاً للتداول بقوة، عن إتجاه بعض المكونات الحزبية اللبنانية
ممن لعبوا أدواراً في الحرب الأهلية إلى العودة إلى التسلح والتجهيز استعداداً
لمرحلة قد تكون مقبلة على البلد.
المعلومات تتحدث عن تدريبات تقوم بها جماعة "القوات
اللبنانية" بقيادة سمير جعجع في مخيمات داخل معراب، إضافة إلى تدريب عناصر
وضباط في الأردن، وأن هذه العملية تتم بإشراف ضباط أميركيين تمهيداً للعب دور ما
ربما يكون أكثر خطراً على الكيان اللبناني ووحدته.
يحدث ذلك في ظل ما أثاره البطريرك الماروني
بشارة الراعي الذي أعاد الحديث مجدداً عن "حيادية" لبنان و"تدويل"
هذا "الحياد" عبر الأمم المتحدة. هذا الطرح "الخطير" الذي
سينطلق به البطريرك إلى حاضرة الفاتيكان ليبدأ العمل عليه من هناك، والذي سيعمق
أزمة المسيحيين "في لبنان المشرق"، إنما يؤشر إلى عودة طروحات كان عفى
عليها الزمن، فيما بعض الأطراف الداخلية تجد في ذلك مخرجاً لإعادة صيغ الفديرالية
والكونفديرالية، وهي لا تقرأ إلا في هذا الكتاب غير قادرة على رؤية كل المستجدات
التي طرأت على المنطقة والتغيَر الحاد في موازين القوى داخل لبنان وخارجه،
واستحالة تنفيذ "البرامج التقسيمية" التي كانت وضعت سابقاً على الأقل
وفق الخرائط التي كان معمولاً بها.
المواجهة المباشرة التي يخوضها حزب الله مع
الأميركيين وإن كانت لحماية نفسه باعتبارات البعض، إلا أنها حكماً هي لحماية لبنان
الواحد من التفتيت الذي لن ينال منه الساعون إليه حتى ولا ذرة مما يتصورون أنهم قد
يحصلوا عليه، وهذا بات مؤكدا بحكم الواقع السياسي وجغرافيته وموازين القوى في
البلد والتي يصعب تغييرها مهما بلغت الإستعادادات والتدخلات، وما حدث ويحدث خير
دليل على ذلك.
بقاء حزب الله وحيدا في المواجهة قد يُحمَله
أعباءً زائدة لكنه لن يفقد توازنه، ومن الواضح أنه قد جهز نفسه لذلك ويتابع
التجهيز، وقد بات على الدولة اللبنانية وتحديداً الحكومة ورئيسها أن يبادروا إلى
مواقف سياسية حاسمة تسجل لهم في الحفاظ على وحدة لبنان وخوض المواجهة في أعلى
مستوياتها المفروضة، وعدم الإكتفاء بسلة غذائية ستبقى "مثقوبة" ما لم
يتم الضرب "بيد من حديد" وعبر الأجهزة المعنية واستخدام كافة السلطات،
لأن المتواطئين كثر وما يزالون في مواقعهم يستعيدون أنفاسهم لإستكمال ما بدأوه،
وهو ما يؤشر على أن "العدو" ما زال متمكناً من تنفيذ لعبته حتى
"الخراب".
تعليقات