نقطة اللاعودة

نقطة اللاعودة

"البناء"  1 تشرين الثاني 2010

محمد شمس الدين

ماذا بعد قرار مقاطعة التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، إثر تمادي المحققين في تحقيقهم والدخول الى أماكن لا تتصل بعملهم المكلفين به في لبنان؟
وما هي الإجراءات التي ستتخذها الدولة والحكومة، للحد من الاستباحة اللامحدودة للبنان وكل الشعب اللبناني، بعدما اطلع على حجم الاستخفاف به من خلال وضعه على «مشرحة» المحكمة الدولية، وتوجيه إصبع الاتهام لكل فرد منه، وربما لكل جنين ما زال في بطن أمه، بعدما وصل التفتيش عن الحقيقة الى العيادات النسائية؟
ففي حين أن «الغموض» ما زال يكتنف خطوة المحققين باتجاه تلك العيادة، فإن العنوان المعلن لها هو السؤال عن أرقام هواتف تابعة لعدد من النسوة اللواتي يترددن اليها، في الوقت الذي تمتلك فيه لجنة التحقيق الدولية قواعد البيانات لكل شركات الاتصالات العاملة على الأراضي اللبنانية، وبامكانها من خلال ذلك الاطلاع على كل ما تريده وليس فقط على أرقام الهواتف، بل على كل الأحاديث التي تجري عبرها في كل زمان ومكان، ليسقط بذلك السبب الذي تم تداوله. غير أن لجنة التحقيق الدولية والمدعي العام دانيال بيلمار وأجهزة الأمن اللبنانية المعنية، لم تتجرأ حتى الآن على الكشف عن السبب الحقيقي وراء تلك الخطوة التي استفزت جزءاً كبيرا من الشعب اللبناني، ووضعت التحقيق الدولي على المحك لأول مرة منذ نشأة المحكمة في ظروف ملتبسة قانونا، خصوصا بعد إعلان حزب الله قراره مقاطعة التحقيق ودعوة اللبنانيين الى ذلك، في إجراء لافت اعتبر واحدا من سلسلة إجراءات سينفذها والمعارضة، لتغيير القواعد التي ارسيت منذ أكثر من أربع سنوات وتم التعاطي معها «بلطف» حرصا على ما يسمى بالسلم الأهلي.
تبدو الخطوات التي ستلي تلك المقاطعة محسومة على اعتبار أن قرار السيد نصرالله لا يمكن تصنيفه في باب «المناورة»، ومعنى ذلك أن القرار قد رسم حدودا للمرحلة السابقة توجب على المحكمة ومن يديرها أن تتخذ الخطوات المناسبة في حال قررت الاستمرار في عملها، وذلك من خلال تعديل مسارها بشكل كلي يأخذ بالاعتبار ما قُدٍم لها من معطيات وقرائن تفترض وجود متهمين آخرين على لائحتها، وهو الأمر الذي تجاهلته مبعدة حتى الشبهة عن «إسرائيل»، علما أن كل قواعد البيانات التي حصلت عليها المحكمة قد وضعت بيد «الإسرائيليين» بحسب معلومات حزب الله، لتصبح «تل أبيب» الشريك الأساسي وربما الوحيد في توجيه عمل المحكمة بما يخدم مصالحها.
هذا الربط الذي قدمه السيد نصرالله بين المحكمة والتحقيق الدولي، و«إسرائيل»، بالارتكاز الى كشف قواعد البيانات، قد حسم هويتها والوجهة التي تتجه اليها، وبالتالي فإن مسار مواجهتها سيؤدي الى إعلان سقوطها ولو من جانب واحد، استنادا الى أساسين: الأول، قانوني من خلال إعلان عدم شرعيتها نتيجة للإلتباسات التي واكبت ولادتها. والثاني، سياسي من خلال أدائها الذي يسير باتجاه تحقيق اهداف لا تتصل بالقضية التي أنشئت من أجلها، ولائحة الأدلة على ذلك لا تنتهي وآخرها المعلن، كان حتى الآن، زيارة العيادة النسائية.
مصادر معنية تقول بأن السيد قد أبقى على خيار استمرار المحكمة بالشروط التي ذكرت آنفا، ما يرمي الكرة في ملعب من يريدها، وإلا فإن الأمور ستتجه الى الحكم بانتهائها. في حين أن خيارات اسقاطها مفتوحة بدءاً من الحكومة التي تتأرجح على حبل التجاذبات التي رفعت من وتيرتها الإدارة الأميركية، عبر إرسالها مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان الى الرياض فبيروت استباقا لقمة الأسد - عبدالله الأخيرة لقطع خط التفاهمات بين المملكة السعودية وسورية، والتي كادت أن تصل الى حد تجميد مفاعيل عمل المحكمة ولو بصورة مؤقتة إفساحا في المجال لإيجاد حلول ممكنة، بعدما رفض حزب الله تسويات تقوم على مبدأ تأجيل إصدار القرار الظني لأن فيه تأجيلا للمشكلة، عدا عن أن موافقته على ذلك المبدأ إنما يستبطن اعترافا بالمسؤولية عن الجرم وهو الأمر الذي يرفضه تماما.
وتقول المصادر إن ملفا جديدا قد أدخل الى الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء في حال انعقدت، وهو تحديد المسؤوليات حيال استباحة البلد بالشكل الذي حصل، إضافة الى ملف شهود الزور الذي ما إن طرح حتى طارت جلسات الحكومة وتحرك العالم بمن فيهم الإدارة الأميركية وبعض العواصم الأوروبية ومن خلفهم «إسرائيل» بهدف وقف مقاربته، وهو الأمر الذي سيُصر حزب الله وفريقه السياسي على متابعته الى النهاية، في حين أن المسؤولية حياله تقع على عاتق الفريق نفسه بل على عاتق الأشخاص أنفسهم ممن كانوا في السلطة أو خارجها، والذين سمحوا باستباحة البلد، ولذلك فإن مسار الأمور لا يمكن أن يقف عند حدود التهديد والوعيد، إنما سيتعداه الى خطوات تنفيذية من شأنها أن تعيد تصحيح ذلك المسار مهما بلغت التضحيات، لأنه في النهاية، «خراب البصرة»، لن يكون على حساب فريق دون الآخر.
وتؤكد المصادر، بأن الحكومة لن تستطيع الصمود إذا لم يجر الاتفاق مسبقا وقبل انعقاد جلستها المقبلة على كل الملفات الأساسية العالقة، وفي مقدمتها عمل المحكمة الدولية وأداءها إذا تعذر إلغاؤها فورا، لأنها باتت تشكل تهديدا لوجود البلد وهويته، بعدما عملت على تقديمه لـ«إسرائيل» من خلال كشف أجياله المقبلة، الذين يشكلون دعائم استمراره. إلا أن الاتفاق على تلك الملفات يبدو أنه صار مستحيلا في ظل المواقف المعلنة.
فهل سيستفيد فريق المحكمة السياسي من الفرصة التي قدمها السيد نصرالله؟ وكيف سستتصرف لجنة التحقيق؟ وهل ستوقف عملها أم ستلجأ الى استخدام «السلطة» (لبنانية أو دولية) من أجل المتابعة، باعتبارها تعمل بموجب الفصل السابع؟ أم سيدفع قرار المقاطعة المحكمة الى استعجال إصدار القرار الظني؟ وما هي تداعيات إصداره أو عدمه؟... اسئلة ستجيب عليها الأيام القليلة المقبلة!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار