الضغوطات والتناغم بين الملفات

الضغوطات والتناغم بين الملفات / البناء / 7-7-2010
محمد شمس الدين
لم تستطع الأحداث التي جرت على امتداد الأسابيع الستة الماضية من إخراج الأزمات من عنق الزجاجة في المواضيع المتصلة بالشرق الأوسط وتحديدا تلك الأحداث الدموية التي نجمت عن الاعتداءات الإسرائيلية على سفن الحرية إضافة الى التصعيد الدولي الذي اعقب فرض عقوبات جديدة على إيران وما تلا ذلك من رفع مستوى التوتر في مناطق وجود القوات الدولية المتعددة الجنسيات التابعة إسما للأمم المتحدة وبغطاء أرقام القرارات المتعددة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، ولكن يبدو جليا أنها تعمل على تنفيذ أجندة أميركية إسرائيلية بتوقيع أوروبي.
ما يجب تسليط الضوء عليه هو التصعيد الذي حصل في الجنوب اللبناني إثر إقدام الوحدة الفرنسية العاملة في إطار قوات الطوارئ الدولية على محاولة التفلت من التزامات نصت عليها تفاهمات واكبت عملية انتشار وحدات الأمم المتحدة إثر توقف المعارك في تموز العام 2006 ووصفت في حينه المهام التي نص عليها القرار 1701 إلا أن فرنسا وبحسب مصادر ديبلوماسية قررت الشهر الماضي وباتفاق مع إسرائيل، متسلحة برضى دولي أوحى به إقرار العقوبات على إيران أن تخترق جدار تلك التفاهمات المعززة جنوبا في محاولة لتغيير قواعد اللعبة أو ما اصطلح على تسميته بتغيير قواعد الاشتباك التي دار حولها هرج ومرج بعد اصطدام تحركات الوحدات الرئيسية الثلاثة ( إسبانيا، إيطاليا، فرنسا ) ضمن اليونيفيل باعتراض اهل الجنوب على ممارستها إذ تخطت السقف و وصلت حد إثارة الريبة ولو ادعت قيادة اليونيفيل بأنها قد اطلعت الجيش اللبناني على خططها للتحرك، إلا أن الجيش لا يشكل رقيبا على عمل تلك القوات التي من المفترض أنها هي نفسها وحدة مراقبة لاعمال عدائية محتملة من العدو الاسرائيلي وهذا على الاقل هو العنوان الأساسي لوجودها.
وتضيف المصادر الديبلوماسية إن لبنان عمل مع الدول المعنية منذ اللحظة الأولى للتوتر على ضرورة التقيد بتلك التفاهمات التي محورها الأساسي حزب الله ومقاومته إذ أن الأمور مع إسرائيل لم تصل بعد الى حد الاستقرار، خصوصا وأن القرار 1701 لم ينه حالة الحرب التي ما زالت قائمة كما لم يتم التوصل بالتالي الى العودة الى العمل بمضمون اتفاق الهدنة الموقع بين لبنان والعدو الصهيوني في آذار العام 1949 والذي حصل استجابة منهما الى قرار مجلس الأمن الصادر في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948 الذي دعاهما الى ذلك، "كتدبير اضافي موقّت بمقتضى المادة 40 من ميثاق الأمم المتحدة ومن اجل تسهيل الانتقال من المهادنة الحالية الى سلم دائم في فلسطين، الى التفاوض لعقد هدنة"، على ما تنص مقدمة الاتفاق. واشارت المصادر الى أن ديبلوماسية تلك الدول كانت تبدي اقتناعا برأي لبنان مع كلمة "ولكن" ما يوضح أنها تبحث عن آليات أخرى لمتابعة عملها لافتين ايضا الى أنهم لن يستطيعوا الإبقاء على تواجد قواتهم الى ما لا نهاية ملوحين بالإنسحاب خصوصا إذا ما اندلعت أعمال عنف جديدة بين لبنان إسرائيل مطالبين مرة جديدة بضرورة أن تتصرف الدولة اللبنانية حيال ما اعتبروه مشكلة اساسية وهي سلاح حزب الله.
ومن هنا فإن الحال ما زال على حاله في حين أن الضغوطات التي مورست خلال الأسابيع الماضية لم تفلح في إحداث الثغرة المطلوبة لدفع الأمور بالاتجاه الذي سعت اليه الدول الغربية انطلاقا من تحركات إسرائيل الاخيرة وصولا الى فرض العقوبات على إيران ما يعني أن الأمور قد بلغت حدا أعلى من التصعيد عبرت عنه تصريحات رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو من واشنطن حول استمرار قلق الكيان الصهيوني من سلاح حزب الله وما يجري في الجنوب ليأتي ذلك كإعلان عن فشل اخر الضغوطات وبالتالي اصبح لزوما على الدول المعنية أن تخطو باتجاه خيارات أخرى يبدو أنها مقررة سلفا من خلال ما عبر عنه رئيس اركان كيان العدو غابي أشكينازي في اليومين الماضيين والذي اعتبر أن لبنان سيواجه اضطرابات في ايلول المقبل رابطا ذلك بما يمكن أن يصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على خلفية اغتيال الرئيس الاسبق للحكومة رفيق الحريري.
وفي هذا السياق، لا تنفي مصادر معنية متابعة لما يجري تخوفها من استخدام المحكمة الدولية كسيف مسلط على رؤوس اللبنانيين لاسيما وأن التصريحات الإسرائيلية في هذا الشأن واضحة ولا لبس فيها وقد دخلت مباشرة على خطها، مشيرة الى أنه إذا كان بالإمكان تحمل تسييس تلك المحكمة فيما يخدم بعض الأغراض الداخلية أو لمصلحة تغليب هذا الفريق أو ذاك في الشأن السياسي الداخلي كما حصل في الانتخابات النيابية الماضية وحتى لو لم يكن مشروعا فإنه لن يجري السكوت على اي دخول إسرائيلي على خط المحكمة أو السماح بتوجيهها بصورة مباشرة أو غير مباشرة كما أن على الدولة اللبنانية أن تكون متنبهة لهذا الأمر وهي المسؤولة أولا وأخيرا عن أي "جنوح" لتلك المحكمة قد يطيح بالانجازات اللبنانية لا سيما على مستوى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني الذي يشهده البلد في الآونة الأخيرة.
وتقول المصادر نفسها بأن هناك تناغما كليا بين كل الملفات حيث يجري تنسيقها وتحريكها دفعة واحدة وفي اكثر من مستوى في حين أن عددا من الأطراف اللبنانيين يشكلون جانبا أساسيا من عملية التنسيق تلك والتي تقف وراءها الإدارة الأميركية وبعض الدول الأوروبية لا سيما منها الدول الثلاث التي تشارك في اليونيفيل والتي لم تهدأ منذ أن تولت مهماتها في الـ 2006 في البحث عن ثغرات لاختراق الحالة القائمة من خلال تواجدها في المناطق الجنوبية.

  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار