حراك إيراني.. بالجملة
حراك إيراني.. بالجملة
البناء 23 أيلول 2013
محمد شمس الدين
يترقب العالم
باهتمام بالغ الحراك الإيراني الجديد في ظل التبديل الدستوري لمركز القرار في
الجمهورية الإسلامية بعد الإنتخابات التي حملت الشيخ حسن روحاني الى سدة الرئاسة
في البلاد، في وقت تراهن بعض العواصم ومنها الولايات المتحدة على تغييرات من
الممكن أن تحصل مع القيادة الجديدة لا سيما حيال السياسات المتبعة في منطقة الشرق
الأوسط التي تشهد اضطرابات شديدة وخريفاً ممتداً منذ أكثر من ثلاث سنوات.
لكن الأنظار
مشدودة بشكل مباشر الى الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني الى المملكة العربية
السعودية تلبية لدعوة الملك عبدالله بن عبد العزيز والتي أدرجها في سياق
"روحي" وسبغها بأداء فريضة الحج التي تصادف في النصف الأول من شهر تشرين
الأول المقبل، ولتكون مناسبة للقاء والنقاش والتخفيف من حدة التوتر القائم بين
البلدين والذي ينعكس على معظم الأزمات في المنطقة خاصة الأزمة السورية بأبعادها
الإقليمية والدولية، إلا أن المتوقع من اللقاءات لن يتجاوز على الأرجح مرحلة
التبريد مع الأمل بوضع الأسس لبحث جدي
بالملفات العالقة والتي كاد انسداد الأفق حول إيجاد حلول لها أن يودي بالمنطقة الى
الإنفجار الواسع وخاصة بعد التهديد الأميركي بشن عدوان على سورية بتشجيع وتأييد من
دول الخليج المجاورة لإيران وفي طليعتها المملكة العربية السعودية.
ما هو عالق بين
السعودية وإيران اتسعت دائرته بعد الفشل في التوصل الى تفاهمات حول لبنان وما يعني
حزب الله فيه وسلاحه، ليتصل بعد ذلك بالأزمة السورية والحرب الدائرة في هذا البلد
تحت عنوان "إسقاط النظام" في إطار صراع على الدول لضمها الى مشروع، شهدت
سنوات طويلة من العقد الماضي وأخرى من العقد الحالي حروبا "ضروساً" الهدف
منها إعادة رسم خريطة المنطقة السياسية وتحالفاتها من جديد، وصولاً الى ما يقتضيه
ذلك من رسم للخارطة الجغرافية وهو ما أطلقت عليه الولايات المتحدة الشرق الاوسط
الجديد الذي برز بقوة الى العلن بعد حرب تموز والعدوان الذي شنته إسرائيل على حزب
الله في لبنان وفشلت به فشلاً ذريعاً الأمر الذي استوجب الهجوم على غير مكان في
المنطقة وتحديداً سورية التي لخصت حربها كل الحروب التي حصلت والمفترضة مستقبلاً.
ما يمكن أن يتحقق
بين السعوديين والإيرانيين من إيجابيات يتمناها كل من آمن بوحدة المنطقة في مواجهة
"العدو الصهيوني" ومشروع هيمنته على المنطقة وهيمنة الولايات المتحدة من
خلاله عليها، على اعتبار ان من يحفظ مصالح الدولة العظمى فيها منذ عشرات السنين هو
تلك الدولة العبرية التي صيغت حولها كل المشاريع التي يحاول عموم الغرب تنفيذها
إما مباشرة أو من خلال تسهيل ذلك، لكن الامال سرعان ما تنحصر عندما يتم استحضار ما
يجري حيث أن بعض العرب باتوا شركاء فعليين في هذا المخطط الرامي الى إعادة الهيمنة
الصهيونية على المنطقة بعدما تراجعت بشكل كبير منذ فقد الأميركيون الكثير من
أرصدتهم فيها بعد سقوط النظام الذي كان يرأسه آخر "شاهات" إيران، محمد
رضا بهلوي، عام 1979 وقيام نظام جمهوري مناهض بالكامل للولايات المتحدة
و"إسرائيل".
تحوّل الصراع
تدريجياً من كونه بين إيران والدولة العظمى في العالم وربيبتها الدولة العبرية،
الى خلاف متجذر بين الجمهورية الإسلامية وبعض العرب وعلى رأسهم السعودية، وهو ما
نجحت "إسرائيل" والإدارات الأميركية المتعاقبة في تغذيته للوقوف في وجه
تنامي القدرات المختلفة لإيران وانعكاس ذلك نفوذاً لها في المنطقة والعالم، ليصبح
الخلاف العربي – الإيراني صراعاً مفتوحاً على النفوذ والقيادة والريادة في المنطقة،
في حين أن عمق التوجه الإيراني يركز على ضرورة إقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار
العربي والإسلامي والسعي الى التكامل الإقتصادي معها لتنمية القدرات المشتركة في
مواجهة مشروع الهيمنة "الإسرائيلية" على المنطقة حتى من دون اللجوء الى "إزالة
إسرائيل من الوجود".. إذا.. سمح بالحد الأدنى بإقامة الدولة الفلسطينية
المستقلة وعاصمتها القدس وذلك في إطار رهان كامل على ما يمكن أن يحمله التطور
الديمغرافي مستقبلاً.
الحد الأدنى الذي
يريده الإيرانيون إضافة الى عدم التدخل في شؤونهم الداخلية، هو حفظ مكانة دولتهم
الإقليمية والدولية، والإعتراف بها كقوة قادرة على لعب دور في أزمات المنطقة وعدم
تخطيها في ما يعنيها واسقاط فكرة أنها "تنهار من الداخل" الأمر الذي
راهن الأميركيون عليه أكثر من ثلاثين عاماً، لكنهم اكتشفوا أنهم انتظروا سراباً
وهم الآن يسعون الى خطب ود إيران ويتطلعون الى "مصافحة تاريخية" بين
رئيسهم الحالي باراك أوباما، والرئيس الإيراني الجديد، على هامش انعقاد اجتماعات
الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر المقبل أيضاً، ما يطرح السؤال حول
مدى جدية ما يمكن أن تحمله اللقاءات الإيرانية مع السعودية من جهة ومع الولايات
المتحدة من جهة ثانية؟.
يتبلور الدور
الإيراني الجديد من خلال وقوفه على تقاطعات كل الأزمات في المنطقة، فهو نجح في حجز
مكانه كـ"ضابط للتوازنات" بين القطبين الدوليين روسيا والولايات المتحدة
في أكثر الملفات الشائكة التي يختلفان فيها.. فمن القضايا العسكرية والأمن ومسألة
نشر الصواريخ البالستية في أوروبا والتي لعبت إيران دورا استراتيجياً في وضعها في
"وضعية الإنتظار" من خلال موقعها الجيو – سياسي، إضافة الى ما استطاعت
بناؤه من قدرات تنتهج سياسة الخطوة - خطوة في الكشف عنها، الى آدائها المتميز في
ما يعرف بـ"حرب المنابع والممرات" وصولاً الى ما تشهده المنطقة من أزمات
يمكن للتقارب الإيراني – السعودي أن يساهم في حلها ووضع حد للنزيف الذي اصابها،
وهو ما يمكن أن يبعث برسالة الى الولايات المتحدة و"إسرائيل" مفادها أن
لكل "لعبة حدود".
نجحت إيران بمظلة
روسية "سميكة" في لجم الإندفاعة الأميركية – الدولية – العربية لشن
عدوان على سورية، فيما استطاعت أن تكون على قدر المسؤولية في الإلتزام بما تعهدت
به تجاه موسكو ودمشق في الأزمة السورية.. فهل تنجح في كسب ثقة
"الأعدقاء" لتثبيت قطبيتها؟.
تعليقات