إغتيال الحريري لن يغتال مغنية ثانية!
 البناء 11-7-2010
محمد شمس الدين
إذا صح ما تناقلته وسائل الإعلام من أن رئيس الحكومة سعد الحريري قد ابلغ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على هامش احد لقاءاته الأخيرة معه بأن المحكمة الدولية تتجه لاعتماد رواية دير شبيغل حول إغتيال والده رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري مع بعض التعديلات فإن الأمور ستتجه حكما الى التأزيم انطلاقا من هذا الملف الذي يحاول الغرب استغلاله للضغط على حزب الله خدمة لأهداف سياسية وعسكرية وأمنية إسرائيلية بالدرجة الأولى.
ما قاله الحريري للسيد بعد أن طلب الإختلاء به وبحسب ما تناقلته بعض مقالات الصحف، مفاده أن المحكمة ستوجه الاتهام باغتيال الحريري لعناصر "غير منضبطة" في حزب الله وأن تلك العناصر لم تعد موجودة على وجه هذه الدنيا لسبب أو لآخر، في إشارة الى القائد العسكري في حزب الله الشهيد عماد مغنية الذي اغتالته إسرائيل في دمشق في شباط العام 2008، إلا أن ذلك الاتهام فيما لو حصل فإن أمورا كثيرة ستتغير خصوصا وأنه لا يستند الى اية أدلة أو وقائع وإذا وجدت فإنها حتما ستكون ملفقة وهو الأمر الذي اعتادت على تركيبه أجهزة الاستخبارات بل هي قادرة على تركيب سيناريوهات ربما تكون أكبر وافظع نظرا لحجم المخيلة التي تعملو تستخدم اكثر الوسائل تطورا.
 ما يشير الى ذلك عدة أمورقد  أفقدت المحكمة مصداقيتها بشكل كامل لا سيما الطريقة التي تعاملت معها منذ بدء عمل لجنة التحقيق برئاسة ديتليف ميليس وما فعلته بقضية الضباط الأربعة وشهود الزور الذين ما زالوا يسرحون ويمرحون في اصقاع الارض هم ومشغليهم من اللبنانيين والعرب ومن ورائهم الضالعين في هذه القضية من الإسرائيليين والأميركيين والأوروبيين لينجلي المشهد على عدة أسئلة واستنتاجات لا بد من التوقف عندها:
أولا: لماذا تولى رئيس الحكومة شخصيا نقل هذه الرسالة الى السيد نصرالله وما هي دوافعه الى ذلك؟ وما كان جوابه لمن ابلغه بهذه النية أو بهذا القرار ولعلهم الاصدقاء الفرنسيين؟، وإذا كان الجواب هو عدم اقتناعه بما سيصدر، فلماذا لم يبد استنكاره أمام من ابلغه؟ وإذا كان فعل، فلماذا أيضا لم يتخذ الإجراءات المناسبة لمنع المحكمة من الدخول في هذه المتاهات واستغلال القضية سياسيا حرصا على كشف الحقيقة التي ينادي بها؟. وربما يقول قائل بأن الحريري قد فعل ذلك، وإنه ابدى خشيته من انعكاس ذلك على الإستقرار العام في البلد انطلاقا من ردة فعل الجهة التي ستتهم.
ثانياً: يبقى السؤال المشروع أيضا أنه عند إبلاغ السيد نصرالله بما توفر لدى الحريري من معلومات، هل كانت خشيته هي على حزب الله أو على البلد أم على الإثنين معا؟. وكون أنه هو صاحب القضية والمدعي الرئيسي فيها فإن المتوقع منه كان ردة فعل مغايرة لتسريب المعلومة الى شخص الأمين العام لحزب الله، كأن يلجا علنا الى التحذير من الاستخدام السيئ لكل ما يمكن أن يتوفر من معلومات في هذا الشأن.
ثالثا: ما أكده السيد نصرالله لرئيس الحكومة انحصر بأن لا عناصر منضبطة في حزب الله، لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، وهذا يعني رفض الاتهام وهو ما نقله الحريري حتما لمن ابلغه بالقرار الظني المحتمل صدوره. في حين أنه كان من أهداف إبلاغه الى الأمين العام هو قياس حجم رد الفعل المتوقع، ليصار على أساسه إتخاذ القرار المناسب، فإما المضي بالإعلان أو التريث للتفتيش عن مخارج أخرى، وهو على الأرجح ما حاول الحريري استنتاجه من خلال مفاتحة السيد نصرالله بالموضوع.
المقربون من حزب الله يقولون إن مجرد طرح الفكرة بهذا الشكل إنما يعني أمرين:
الأول: عدم وجود أية أدلة فعلية بحوزة المحكمة تستطيع البناء عليها لتقديم قضية متينة على المستوى القضائي وبالتالي فإن المسؤولين عن تلك المحكمة لا يزالون يدورون في حلقة مفرغة مفتشين عن مخارج وليس عن أدلة، في حين أنهم حتى الآن لم يوسعوا من دائرة شكوكهم أو حتى لم يدخلوا اي مشتبه به جديد الى نطاق تلك القضية كما أنهم لم يستطيعوا تقديم اجوبة صريحة وواضحة حول مصير شهود الزور وعلى راسهم محمد زهير الصديق الذي يتمتع بحماية دولية لم تتمكن المحكمة ايضا من اختراقها.
الثاني: لم يعد هناك من مجال للشك بأن المحكمة إنما تعمل وفق أجندة سياسية هدفها الأساسي هو إجراء تغييرات كاملة للأوضاع في المنطقة انطلاقا من لبنان إذ أن أي تغيير يطرأ على الأوضاع في هذا البلد سينسحب على مجمل دول المنطقة وهذا الأمر يشكل الهدف الحقيقي لاغتيال الرئيس الحريري .ولينظر المراقب حجم التحولات التي كانت منتظرة أميركيا وإسرائيليا بعد عملية الإغتيال والتي بدأت بإخراج القوات السورية من لبنان وصولا الى الحرب الدولية على حزب الله التي شنتها إسرائيل في 2006 مرورا بكل الأحداث السياسية والأمنية التي مرت خلال تلك الفترة، ما يؤشر مباشرة الى المستفيد من تنفيذ عملية إغتيال الحريري.
ما يشير اليه المقربون من حزب الله هو أن اتهام الحزب كما أكد السيد نصرالله هو أكبر من عدوان إسرائيلي عليه خصوصا وأن الحزب لا يمكن أن يفرط بقائده العسكري بعد مماته كما لم يفرط به في حياته بالرغم من كل الضغوطات التي تعرض لها على خلفية هذا الموضوع على امتداد أكثر من خمسة وعشرين عاما قضاها مغنية في خدمة الحزب وقضايا الأمة وبالتالي فهو لن يكون كبش المحرقة أو ورقة للمساومة لأن المسألة تمس جوهر وجود حزب الله الذي سينتقم لمغنية ولو بعد حين، كما أن الاثار السلبية لتوجيه مثل ذلك الاتهام لن تنحصر فقط بحزب الله أو في لبنان، إنما ستتجاوزه الى المنطقة برمتها وهو الأمر الذي على الحريري أن يفهمه جيدا فلا تنطلي عليه مكائد من يظهر له العواطف الكاذبة.
 لا شك أن توجيه الاتهام بهذه الطريقة وعلى هذا المستوى سيعرض الاستقرار الداخلي والاقليمي للخطر و سيكون حزب الله مضطرا للدفاع عن نفسه وعن شهيده بكل ما أوتي من قوة وهو لن يسمح لإسرائيل ولا للمجتمع الدولي بأن يغتالا مغنية مرتين عدا عن أن حزب الله لن يسمح فعلا بتعريض الأمن الداخلي والاستقرار لأي اهتزاز لأن كشف حقيقة من اغتال الحريري جزء من مشروعه الوطني المقاوم لإسرائيل وأدواتها في الداخل، المكشوف منها والمستتر.          

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار