المسعى السعودي - السوري: عوامل تحجب التفاؤل

المسعى السعودي ـ السوري:
عوامل تحجب التفاؤل

 البناء 22 تشرين الثاني 2010
محمد شمس الدين
لا يعتقد أحد من السياسيين في لبنان أنه من المفيد الإغراق في التفاؤل بما يُسوَّقُ عن المسعى السعودي ـ السوري، حول حلول مرتقبة لمسألة المحكمة الدولية، وما يمكن أن يصدر عنها من قرار «ظني» أو «اتهامي»، خصوصاً أن الآوان قد فات على محاصرة ذلك القرار في أروقة الأمم المتحدة، أو في لاهاي، حيث الجهة المنفذة لإرادة الإدارة في واشنطن أو في نيويورك. فالمعلومات التي بات يتم تداولها في أكثر من عاصمة في المنطقة وفي العالم، إنما تتمحور حول التداعيات المحتملة، في إشارة الى أن مضمون القرار بات معروفاً من قبل الجميع. في حين نقلت جهات إعلامية عن وزير الخارجية الإيرانية منوشهر متكي، بعد لقائه في طهران، أن كل المعلومات التي في حوزة الدبلوماسية الإيرانية تشير الى أن القرار في أدراج أصحابه جاهز للصدور، وأن العمل قد تكثَّف في الفترة السابقة، من أجل تجنُّب هذا الأمر الذي لن تقف تداعياته عند حدود لبنان، كما يظنُّ مصنعو القرار، وأن الجمهورية الإسلامية في إيران وحلفاءها في المنطقة، وبعض الأصدقاء الحريصين على الاستقرار، قد شرحوا بإسهاب لمن يهمهم الأمر، المخاطر الكبرى التي قد تنجم عن مثل ذلك القرار، الذي يُراد من خلاله إدخال المنطقة في أتون الفتن المذهبية المتنقِّلة.
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية مطلعة، إن المملكة العربية السعودية قد عبرت عن إدراكها الفعلي للتداعيات المرتقبة، وهي استطاعت أن ترى المشهد بوضوح كلِّي، ما دفع بالملك عبدالله بن عبد العزيز، بعد قمة بيروت الثلاثية إلى تبني فكرة إيجاد حل جذري للمحكمة، إن لم يكن بإلغائها، لتعذُّره دولياً، فبتجميد مفاعيلها، وهو ما انعكس ارتياحا لدى سورية وإيران وحزب الله. وتشير المصادر نفسها إلى أن المسعى السعودي ـ السوري، إنما يقوم أساساً على هذا المبدأ وليس على أي أمر آخر، لكنه سرعان ما اصطدم بالحواجز الدولية، ولا سيما من قبل الولايات المتحدة، التي ما زالت تصرُّ على أن تكون المحكمة الخاصة بلبنان، المدخل إلى تسويات تُطاول العديدَ من الملفات الشائكة المختلَف عليها في المنطقة، وخصوصاً أن البدائل التي تملكها (الإدارة الأميركية) باتت قليلة جداً، إضافة إلى أنها تريد أن تجد مكاناً لـ«إسرائيل” في تلك التسويات، الأمر الذي لا ترتضيه الأطراف الأساسية المعنية بهذه القضية.
عدم الإغراق في التفاؤل حول نجاح المسعى السعودي ـ السوري إنما هو ناجم عن عدة عوامل برزت في الأيام القليلة الماضية. فعدا أنّ أحداً لم يُفصح عن ماهية هذا المسعى، فإنه لم يعلن حتى اللحظة عن ماهية “القواسم المشتركة” أو “مساحات الاتفاق” الموجودة بين الأطراف المتنازعة، غير الإقرار بضرورة الحفاظ على الاستقرار، وهو الأمر الذي يفرض نفسه من خلال عدم تكافؤ القوى الواضح على الساحة اللبنانية، حيث عبّر الجميع عن عدم وجود أرضية صالحة للاقتتال الداخلي، ولا حتى لإشعال فتنة قد يمكن لطرف من الأطراف أن يئدها في مهدها، فالعوامل التي برزت، وتشير إلى معوقات جدية في مسار المسعى السعودي ـ السوري، هي:
أولاً: ما أُعلن حول الاستمرار الأميركي والبريطاني في تمويل المحكمة، في خطوة لا يمكن تجاوز ما تتضمنه من رسائل، تستهدف الجهود السعودية تحديداً في هذا المجال.
ثانياً: واستتباعاً، ما صدر بالأمس عن المحكمة الدولية نفسها من تعديلات طاولت قواعد الإجراء والإثبات، الأمر الذي فسَّرته مراجع قضائية على أنه الخطوة الأخيرة التي تسبق الإعلان عن صدور القرار “ظنياً” كان أو “اتهامياً».
ثالثاً: ان ما يجب التوقف عنده وملاحظته، هو ما يجري داخل المملكة العربية السعودية، وتحديداً ما جرى خلال الأيام الأخيرة التي سبقت عيد الأضحى، لجهة الأمر الملكي الذي استبعد شقيق الملك من الحرس الوطني السعودي وعيّن نجله مكانه، حيث من الواضح أن الملك عبدالله الذي يعتمد مباشرة على أنجاله في معظم الملفات الحساسة، داخل المملكة وخارجها، إنما يتعرّض لضغوط استوجبت تلك التشكيلات، التي تزامنت مع الحديث عن مرضه الذي أثيرَ حوله بداية، لغط كبير بعد البيان الذي صدر عن الديوان الملكي السعودي قبيل العيد، وهو الأمر الذي سيضطره للسفر إلى الولايات المتحدة للعلاج، والبقاء هناك لمدة أسبوعين. في حين إنه جرى الحديث عن عودة بعض أمراء العائلة الحاكمة إلى المملكة، وفي طليعتهم الأمير بندر بن سلطان صاحب النفوذ القوي، والأكثر تطلعاً إلى الحكم والمدعوم من قبل الولايات المتحدة، والعديد من الدول الغربية، باعتباره الأقرب الى أفكارها، عدا عمّا يعرف عن مقاربته لملف الصراع العربي “الإسرائيلي” وطريقة إدارته له منذ أن كان سفيراً للمملكة في واشنطن، حيث أطلق الإعلام الأميركي على سفارة بلاده آنذاك لقب وزارة الخارجية، لما كانت تتمتع به من نفوذ داخل الإدارة الأميركية، التي كان معظم طاقمها يستفيد من تقديمات وهدايا بندر الدورية.
ما طرأ على صحة الملك وما استجد من عوامل داخل المملكة، إضافة الى الخطوات التي خطتها المحكمة الدولية على وقع الحراك الأميركي ـ البريطاني تجاهها، وما رافقها من قرارات “إسرائيلية” تتعلق بالانسحاب من الغجر، في خطوة وتوقيت مشبوهين، يشير ذلك كله الى ان لبنان قد دخل مرحلة المواجهة مع قرار المحكمة الذي بات توقيته حسب التسريبات في النصف الأول من شهر كانون الأول المقبل وهو ما بشر به مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، الذي يشرف مباشرة على إدارة المسرح اللبناني، من خلال تحريك الأداتين السياسية والإعلامية، والتي أعيد على ما يبدو ضخ المساعدات المالية لها حسب المعلومات، وذلك من أجل ولادة يسيرة للقرار، يمهد لها بتسويق انتظار الأمل الآتي باسم المسعى السعودي ـ السوري، وصولاً إلى بدء المعركة، وصخب ردات الفعل. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار