«نافذة الأمل».. ومحكمة «الثأر» الأميركية
«نافذة الأمل»..
ومحكمة «الثأر» الأميركية
البناء/15-تشرين الثاني-2010
محمد شمس الدين
«نافذة الأمل» التي أبقاها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مفتوحة في خطابه الأخير في يوم شهيد حزب الله في 11 / 11 الجاري، إنما تنطلق من واقع ما يمكن أن تسفر عنه الاتصالات السعودية - السورية المتواصلة، بهدف تجنب الكأس المرة التي يوشك لبنان على تجرعها، بفعل التصعيد الحاصل على خلفية «القرار الظني» للمحكمة الدولية، والذي وعد مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فيلتمان، بإصداره مطلع الشهر المقبل، ليشكل بذلك منعطفاً حقيقياً في الأزمة الدائرة منذ نشوء تلك المحكمة في العام 2008.
ما هو المتوقّع من سير المعالجات التي تديرها الرياض ودمشق، في ظل التدخل الأميركي الذي يخضع كل الملفات الى اجندة واحدة؟. في حين أن التفاهم السعودي - السوري الذي كاد في لحظة ما، أن يعبر بلبنان الى شاطئ الأمان، قد فشل بعد الحركة الأميركية السريعة لفيلتمان نفسه، من أجل كبح توجه الملك عبدالله بن عبد العزيز، الذي يقضي بايجاد تسوية للمحكمة، بعدما ثبت استخدامها في تنفيذ مشاريع سياسية على حساب لبنان واللبنانيين، الأمر الذي سيجرّ المنطقة برمتها الى صراع قد يقضي على الأخضر واليابس.
المعلومات المتوفرة عن المسعى السعودي - السوري على قلتها، تشير الى أنه يهدف الى تجميد العمل بالمحكمة، لتجنب تداعياتها، لأنها إذا ما أقدمت على إصدار قرارها الظني، فإنها في الواقع تكون قد نفذت الى المحظور، وبالتالي فإن إمكانية المعالجة تصبح شبه مستحيلة، ما يدفع بالأمور الى الحسم في الشارع، وهذا ما لمّح اليه السيد نصرالله، من خلال استشهاده بمحطتين رئيسيتين في ما أسماه مسلسل استهداف المقاومة. الأولى: حرب تموز 2006، والقدرة على تخطيها في 33 يوما. أما الثانية: الأحداث التي أعقبت جلسة مجلس الوزراء الشهيرة وقراراتها في 5 ايار، التي حسمت بدورها في ثلاث ساعات، ليستشف من كلامه بأن المرحلة المقبلة لن يسمح فيها للفتنة بأن تشتعل وتتغلغل، فاستخدام السلاح في الداخل سيكون في وجه مؤامرة خارجية، تستهدف هذا السلاح، الذي طالما عرف كيف يدافع عن نفسه.
لا يمكن النظر الى «النافذة» التي تركت مفتوحة بكثير من الأمل، لأن إمكان التوصّل الى تسوية غير وارد. فعدا عن أن حزب الله يرفض تماما اللجوء الى التسويات، لأن فيها شيئا من الإدانة له، فإن ما تطلبه الولايات المتحدة لنفسها ولـ»إسرائيل» عبر المحكمة الدولية، وتطمع في تحقيقه، إنما يقف عائقا أمام نجاح الجهود المبذولة على غير صعيد، في راب الصدع. فواشنطن التي ما زالت تسعى الى الثأر من حزب الله، على خلفية اتهام بعض قيادييه من المؤسسين بالمسؤولية عن استهداف قوات المارينز، التي كانت مرابطة في مطار بيروت في الثمانينيات، من خلال تفجير مقرهم وسقوط أكثر من مئتي قتيل وجريح من بينهم، إضافة الى تفجير السفارة الأميركية في منطقة عين المريسة، وما أسفر عنه من خسائر بشرية وفشل استخباراتي اميركي، ترى في المحكمة فرصة لتحقيق ذلك، فإن معظم الذين تتداول الصحف الغربية أسماءهم على أنهم متهمون في اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، هم من الذين تتهمهم واشنطن بافتعال تلك الأحداث، وتسعى الاستخبارات المركزية الأميركية وراءهم، منذ ذلك الحين..
لقد أحيا التمكّن من اغتيال القائد في المقاومة، عماد مغنية، في شباط 2008، باعتباره واحداً من تلك القيادات المؤسسة لحزب الله والذي سعت وراءه أجهزة الأمن الدولية على مدى اكثر من عشرين عاما، الأمل لدى «السي آي إي» في النيل من رفاقه، وهي كانت قد وضعت أسماءهم بتصرف التحقيق الدولي منذ اللحظة الأولى لأن من وضع مخطط اغتيال الحريري، كان قد لحظ امكانية إسقاط التهمة على تلك المجموعة التي خاضت حروبا ضد الهيمنة الأميركية على مدى عقود، واستطاعت لأول مرة أن تغيّر من شكل الصراع، وتحد من تسلط النفوذ الأميركي، الذي بات مهددا بعدها، في حين أن خطاب السيد الأخير، ركّز هجومه بشكل لافت هذه المرة، على الدور الأميركي المباشر، في إدارة عملية القضاء على حزب الله بكل فصولها المتعددة، وصولا الى اتهامها بقتل الحريري، «نحن لا نقبل بأي اتهام، ما حدا يقرّب صوبنا، نحن لسنا متهمين، من يتهمنا هو الذي قتل، وليس نحن الذين قتلنا».
لم يكن الصراع الذي خاضه الشهيد مغنية ورفاقه، من الذين تحاول المحكمة النيل منهم إرهاباً حسب التعبير الأميركي، فما اقدمت عليه تلك المجموعة من أعمال، إنما هو شكل من اشكال المقاومة التي حققت الإنجاز، الكبير في العام 2000 في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي» في لبنان، وقضت على آخر الآمال بإمكانية تصحيح مسار السياسة الأميركية في مشروع «الشرق الأوسط الجديد» في 2006، وهي لن تستطيع أن تمد يدها الى أكثر مما وصلت اليه، في حقيقة الأمر، لأن تلك اليد كان قد بدأ بتر اجزاء منها منذ ذلك الزمن في العام 1982، تاريخ بدء التحوّل السياسي والأمني في المنطقة العربية.
لا يمكن الحديث إلا عن «أمل» من خارج الحدود، أبقى عليه السيد نصرالله، من الممكن أن يتبلور بعد عطلة عيد الأضحى، إلا أن السباق المحموم، لا يزال قائماً بين السعي السعودي - السوري الى تفادي التدهور، وما وعد به فيلتمان حلفاءه من صدور للقرار الإتهامي في الثلث الأول من الشهر المقبل، لتبقى «نافذة الشارع» مفتوحة على الأزمة التي باتت على شفير الحسم، لا التسويات، والتي من الممكن أن تنجح في كل مكان إلا في لبنان.
تعليقات