قنبلة الحريري.. موقف جريء أم خطوة في سياق خطة متكاملة؟!
قنبلة الحريري.. موقف جريء أم خطوة في سياق خطة متكاملة؟!
// البناء – 8 – أيلول - 2010
محمد شمس الدين
لم يكن دوي القنبلة التي فجرها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بتبرئة سورية من اغتيال والده رفيق الحريري في بيروت عام 2005 مفاجئة بحسب البعض ممن يعتبرها خطوة طبيعية في المسار الذي سلكه الحريري بزيارته الأولى للعاصمة السورية ولقائه مع الرئيس بشار الأسد في كانون الأول العام 2009 ،حيث شكلت تلك الزيارة مفصلا اساسيا بشربعودة العلاقات بين سورية والمملكة العربية السعودية الى ما كان يحكمها من توازنات قبل انفجار الموقف بين البلدين إثر اغتيال الحريري الأب والذي كان على الإبن منذ حينه أن يسير بتوجهات ما هو مخطط أو خطط له، وصولا الى تغيير قواعد اللعبة في المنطقة من خلال مشروع الشرق الوسط الجديد الذي كانت ترعاه الولايات المتحدة الأميركية.خطوة الحريري الاخيرة قد دخلت في غرفة التحليلات المعمقة في كثير من الدوائر السياسية الغربية خصوصا تلك المعنية بأزمة لبنان في المنطقة أو أزمة المنطقة في لبنان، إذ أنها شكلت من حيث الشكل عنصر مفاجأة للبعض الذي كان ما زال يراهن على أن السيف سيبقى مسلطا على رأس سورية الى حين تسجيل بعض التغيير في الاستراتيجيات التي تتبعها وتحديدا حيال إيران وحزب الله في لبنان غير ان ذلك لم يحصل، في حين التزمت سورية التهدئة على غير صعيد وسط مفاوضات ضروس مع الولايات المتحدة من خلال الوفود التي توالى حضورها مكثفا في دمشق منذ اكثر من عام حول وضع سورية في المعادلة الجديدة بعد حرب العراق والاحتلال الأميركي له وبالتالي في ضوء خطوة الانسحاب الذي نفذه الجيش الأميركي دون تحقيق اي من البنود التي كانت مدرجة في لائحة المكاسب الأميركية المتوقعة.لكن مصادر تلك الدوائر وضعت سيناريوهات عديدة لهذه الخطوة بعد معاينتها، لعل اهمها ما يتحدث عن أن خطوة الحريري التي جاءت بعد استفحال الموقف بينه وبين حزب الله خصوصا بعد احداث بيروت الأخيرة إنما يهدف الى التمييز في علاقاته وسياساته بين سورية وحزب الله وهو ( الحريري ) الذي لم يظهر بعد أي لقاء من لقاءاته الخمس مع الرئيس السوري اي نوع من الانسجام السياسي وهو ما كان واضحا من خلال مواقفه وادائه الحكومي، لكنه كان يؤكد في المقابل انه مرتاح جدا في بناء علاقة مع الرئيس الاسد بشكل شخصي وهو ما كان ايضا يعبر عنه دائما بعد كل لقاء. غير أن الحريري الذي يعد جزءا من مشروع في المنطقة لا يمكن أن يتبرع بهذا الموقف الجرئ إلا في سياق خطة متكاملة لها اهدافها الظاهرة والباطنة.ليس ذلك من قبيل الخضوع لنظرية المؤامرة بحسب سيناريوهات تلك الدوائر وإنما من خلال قراءة لواقع المنطقة تفيد بأنه ما زال الوقت مبكرا جدا على إعلان هزيمة الأطراف التي ينتمي اليها الحريري في المشروع السياسي وهي حكما خارج إطار السيطرة الإيرانية على المنطقة والحلف الإيراني - السوري فيها، كما أن تلك البراءة و تمييز علاقته بسوريا او تصحيحها (و مهما تعددت تعابير الوصف) فان ذلك لن يؤدي الى حل المشكلة الناجمة عن سلاح حزب الله في العالم وليس في لبنان فقط بسبب ما تثيره إسرائيل من جلبة حول هذا الموضوع وبسبب ما صاريشكله هذا السلاح في التوازنات الإقليمية، ما يعطي بعدا خاصا للدور الذي يجب أن يلعبه لبنان في صياغة المنطقة في حين أن العراق لم تتضح صورة ما سيكون عليه في حرب الاصطفافات الدائرة.لن يكون استثمار تبرئة الحريري لسورية من الاغتيال إلا على بالقدر الذي اراده الحريري ورسمه منذ أن صار رئيسا للحكومة وهو بدا يشعر بانه ليس من الطبيعي أن يستمر بهذا الاتهام في الوقت الذي يرى و يلمس فيه تطور علاقته بالرئيس الاسد الأمر الذي يملي عليه اتخاذ مثل هذا الموقف الذي جاء مطابقا في الشكل والمضمون للمواقف التي أعلنت تجاه سورية من قبل الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة السعودية عندما قرروا مجتمعين بدء عصر الانفتاح على دمشق بعد سلسلة الإخفاقات في لبنان وفي المنطقة، لكن ما صرح به الحريري قد يؤسس لمرحلة اصعب من المراحل السابقة إذا كان مدرجا في سلسلة الإخفاقات في لبنان وفي المنطقة، لكن ما صرح به الحريري قد يؤسس لمرحلة اصعب من المراحل السابقة إذا ما أدرج في إطار لعبة التفاف على الداخل من الخارج وفي هذا السياق يجب ان يتم استحضار كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب يوم القدس عندما ركز خطابه على متانة العلاقات بين سورية وإيران من جهة وسورية وحزب الله من جهة ثانية الأمر الذي يفسر أن محاولات عديدة تجري لضرب "أسافين" في هذه العلاقة. وعلى ما يبدو فانه الشيئ الوحيد المتبقي أمام اصحاب الحملة على الحزب وسلاحه والدور السوري المرتقب في ظل المتغيرات التي تراهن عليها الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال المفاوضات الجارية كبديل عن خيارات استخدام القوة غير المضمونة النتائج. الدوائر السياسية نفسها تترقب بحذر نجاح السياسة الجديدة – القديمة المتبعة تجاه سورية من لبنان ومن خارجه، فدمشق التي تتمسك بثوابتها لم تنفك تعلن عن ذلك وصولا الى الاعتراف بالجدوى المادية والمعنوية للاستراتيجيات التي اتبعتها على مدى اكثر من خمسين عاما قربتها في العقد الأخير من تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها وهي قادت خلالها نضالا طويلا ضد من يسعى الآن للإلتفاف عبر "تحديث" إدارة الصراع معها بأدوات لم تعد تنطلي على أحد.التهدئة التي يفرضها مثل الكلام الذي اطلقه الحريري أخيرا تفترض خطوات قد تكون قريبة باتجاه حزب الله الذي يعمل على إجراء لقاء بين امينه العام ورئيس الحكومة لتصفية ذيول مرحلة التوترات التي سادت خلال شهر رمضان وكادت ان تودي بالبلد الى المجهول في حين أنه ليس منتظرا ان تصل الأمور بالحريري الى حد إعلان تبرئة حزب الله إلا من خلال ما ستمليه وقائع التطورات الإقليمية والدولية المقبلة التي تلعب فيها سورية دورا رائدا مع الأخذ بعين الاعتبار ما تمليه مصالح إيران التي وُضعت أزمة ملفها النووي على الرفوف وقُدم عليها ملف المفاوضات المباشرة بين رئيس السلطة والفلسطينية ورئيس السلطة الاسرائيلية التي انطلقت من واشنطن الأسبوع الماضي.
تعليقات