سفراء إدارة الأزمة..

سفراء إدارة الأزمة..

البناء // 4-10-2010
محمد شمس الدين -

كان لافتا الاجتماع الذي عقد في منزل السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي وبدعوة منه، وقد ضم اليه السفيرين السعودي علي عواض العسيري والإيراني غضنفر ركن آبادي. ذلك ان هذا الطابع من اللقاءات، حيث يحصل لأول مرة على هذا المستوى، بين الدول الثلاث المعنية مباشرة بالأزمات العديدة التي يعيشها لبنان، خصوصا بعد نفاد السبل في التوصل الى صيغ تحفظ هذا البلد من شرور المتربصين به ولا سيما من المحكمة الدولية، إحدى أكبر البدع التي دخلت الى «السوق» المحلية في ظروف «مشبوهة»، ولو أنها تتعلق باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، الذي تحولت قضيته من قضية عدالة الى بازار سياسي، ربما يعبر عن مدى ما كان يمثله الحريري الشهيد من تقاطع مصالح لجميع المهتمين بكشف حقيقة من قتله ولماذا؟، في حين أن اداة الاستفهام الأخيرة قد تصلح لأن تكون مدخلا الى معرفة من نفذ ذلك الاغتيال ــ المؤامرة.
لا بد لاجتماع السفراء الثلاثة من أن ينعكس ايجابا على تثبيت الاستقرار في حده الأدنى في لبنان، ووضع حواجز منيعة أمام عجلة تدهور الأوضاع التي باتت تسير بسرعة قياسية في الفترة الأخيرة، ربطا بالمعطيات التي تظهر عبر وسائل الإعلام في غير مكان من المنطقة، لا سيما ما حصل مؤخرا في العراق من احداث تنقلت في اكثر من مدينة فيه، لعل أبشعها عملية الرهائن المسيحيين في الكرادة. ذلك أن توزيع الطرود المفخخة بتوقيع من تنظيم القاعدة لا يمكن فصله عن غياب الحد الأدنى من التفاهمات العربية حول كل الملفات العالقة منذ فترة ليست بقصيرة، وتحديدا في الملف اللبناني، الذي بات يشكل الرابط الأهم بين أزمات المنطقة، باعتبار ما ينطوي عليه من ثقل في التوازنات التي اختلت بعد نجاح حزب الله في ضرب مخطط القضاء عليه في الـ 2006، في الحرب العالمية التي شنت آنذاك على لبنان.
ما بدأه السفير السوري من لقاءات، غابت تفاصليها عن الإعلام، وبقيت مجرياتها طي الكتمان، إنما يعبر عن حراجة الموقف الذي وصلت اليه الأوضاع الداخلية، بعد الإجراء الذي أقدم عليه محققون من لجنة التحقيق الدولية، حيال إحدى عيادات الطب النسائي في الضاحية، وما ذهب اليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في مواجهة ذلك الإجراء، قد بنى حائطا مسدودا أمام استكمال التحقيق من جهة، في حين زاد من انسداده الموقف الذي اطلقه تيار المستقبل، وأصر فيه على المتابعة في السياقات التي تسير فيها المحكمة الدولية من جهة ثانية، عدا عن الارباكات التي ظهرت في مواقف الأمم المتحدة، وجهاز المحكمة الدولية إضافة الى المواقف الرسمية الأميركية.
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية، إن اجتماع السفراء الثلاثة، قد يؤسس لمرحلة جديدة كليا من «إدارة الأزمة» في لبنان، وأن التواصل المستمر في ما بينهم سيختصر المسافات من خلال مقاربة مباشرة للأمور على الساحة اللبنانية، والتي بلغت حدها الأقصى من التوتر الذي يجري تزخيمه دوليا، من خلال التصريحات التي تصدر عن الأمم المتحدة والبيت الأبيض و»إسرائيل» في ما خص المحكمة الدولية والخلاف اللبناني حولها، ما سينعكس حكما على العلاقات العربية - العربية، ويقف حائلا أمام استمرار التفاهمات «الممكنة» حول بعض الملفات الساخنة، ولا سيما منها الملف العراقي، الذي تسعى السعودية الى إعادة الاعتبار الى نفسها فيه، بعدما خذلتها الولايات المتحدة لاتفاقها بشأنه مع إيران.
خطوة السفراء الثلاثة يجب ان تستكمل، بحسب المصادر السياسية نفسها، لأن فيها مخرجا جيدا وجديا لإدارة الأزمة والتخفيف من حدة التوتر، والعمل بشكل هادئ، خارج إطار التجاذب الحاصل بين القيادات السياسية اللبنانية، فلكل من السفراء الثلاثة صداقاته وتحالفاته وخطوطه المفتوحة، ولا سيما على الطرقات المقفلة، ما قد يفضي الى فتح بعض المسالك التي تبدو مستعصية حاليا، مشيرة الى أن ما يمكن توقعه من هذا اللقاء غير التخفيف من حدة التوتر، هو ترتيب لقاء مشترك يضم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري، بحضور هؤلاء السفراء شخصيا.
وتقول المصادر، إن اجتماع السفراء الثلاثة أول من أمس، كما خطف الأضواء، فإنه قد استوعب التأثيرات المباشرة لفشل انعقاد مجلس الوزراء اللبناني في جلسته التي كانت مقررة بالأمس تحت مسميات مختلفة، أولها الإنشغال «التكتيكي» وليس «المستجد» لرئيس الحكومة في لندن، وليس آخرها التفاعلات المحتملة لانسداد آفاق الحلول على الأرض، خصوصا مع بروز مؤشرات لأحداث متفرقة، كالتي جرت في العراق، والطرود البريدية المفخخة في اليونان، والتي يدل تزامنها على ترابطها ووجود منسق واحد لها، في حين أن الساحة اللبنانية، تعتبر من بين الساحات الخصبة لإنبات مثل ذلك الزرع.
التحرك الدبلوماسي العربي محليا قد وضع - حسب المصادر نفسها - سقفا سياسيا له، عنوانه عدم السماح بالوصول الى النزاعات، خصوصا في معيارها الشوارعي، وعلى قاعدة التفاهم السعودي - السوري الذي حصل في قمة بيروت الثلاثية، والتي تمثلت طهران فيها من خلال تبني الرئيس بشار الأسد لطروحات المقاومة، بما هي عليه ضد العدو «الإسرائيلي»، وبما تتضمنه نظرتها الى عمل المحكمة الدولية واستهدافاتها البعيدة كل البعد عن الطرق، التي من شأنها أن تؤدي الى «الحقيقة».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار