بيروت منزوعة السلاح وخطاب "القلم"
بيروت منزوعة السلاح وخطاب "القلم"
البناء // الإثنين 6 – أيلول - 2010
محمد شمس الدين
انتهت أحداث برج أبي حيدر في الليلة نفسها التي بدأت فيها. فقد استطاع المعنيون محاصرتها في الساعات الأولى لحدوثها، بالرغم مما قيل عن اتساع رقعة انتشارها نتيجة ما يحاول البعض تصويره على أنه تصد بطولي لفريق من فريقي الحدث، إلا انه في الواقع لم يتجاوز دائرة جغرافية بعينها يوجد فيها من هو على علاقة به، وهذا بالتالي امر طبيعي في سياق ما حصل. كما ان مفاعيل هذه الحادثة سياسيا قد انتهت في اليوم التالي، بعد استيعاب طرفيها تفاصيل ما جرى، وذلك من خلال اللقاء الذي جمع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، وتوج بأمرين: الأول القرار بالتعويض على المتضررين من جراء الاحداث، والثاني ما أعلنه السيد نصرالله في خطابه الأخير لمناسبة يوم القدس، الذي تحدث فيه بإسهاب عما جرى واعتبار من سقط من جمعية المشاريع من عداد شهداء حزب الله.
لكن ما لم ينته بعد هو محاولات الاستغلال الواضحة لتلك الحادثة، واعتبارها "هدية السماء" للطرف الآخر، وتحديدا تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري الذي على ما يبدو لم يستوعب حتى الآن ان النفخ في هذه القضية قد تكون له تداعياته على الوضع برمته، وهو الذي لم يستطع في السابق تحمل ما هو اقل منه في 7 ايار 2008 عندما لم يكن في سدة المسؤولية بعد، لكن الحريري اليوم تقع على عاتقه مسؤولية اكبر كونه رئيسا للحكومة والآمر والناهي في كل القضايا المتصلة بهذه الحادثة والمنفصلة عنها، في حين انه يبدو غير مدرك للتوازنات التي رسمتها قمة بيروت الثلاثية، التي جمعت الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد الى الرئيس اللبناني ميشال سليمان، والتي من المفترض أن تكون قد وضعت الأسس اللازمة للتهدئة من خلال طريقة التعاطي مع الملفين الأخطر على الساحة اللبنانية، وهما المحكمة الدولية وسلاح المقاومة.
غير أن الصراخ الذي تعالى بعد أحداث بيروت الأخيرة، إنما يؤكد أن مفاعيل القمة قد انتهت، على الأقل عند ذلك الفريق الذي يصر على إكمال معركته السياسية التي بدأت منذ سقوط نتائج الانتخابات النيابية العام الماضي، وانضوائه قسرا في إطار حكومة وحدة وطنية اعتبرها على الدوام مرحلية وموقتة بانتظار الفرصة المناسبة للانقضاض عليها، وهو الأمر الذي يفسر عقمها وتقاعسها عن القيام بواجبها تجاه الناس الذين انبرى الحريري الى الدفاع عن مصالحهم في "خطاب القلم"، مصرا على الخوض في استثمار حادثة بيروت الى أقصى حدود الاستثمار مع شروحات تقدمها جوقته حول مفهوم الشعار الذي رفعته "بيروت منزوعة السلاح"، دون أن تدرك هذه الأخيرة ماهية هذا الشعار او التداعيات التي من الممكن أن تتأتى عنه، عدا آليات تطبيقه والجهة التي عليها أن تطبقه وتشرف على تنفيذه ومن هي الجهات المعنية به. فحكما، ومن دون منة من أحد، هي ليست المقاومة التي يعرفون سلفا أنهم لن يستطيعوا المسّ بها ولا حتى من خلال تحديد جغرافية عمل عناصرها أو ابعادهم الى خارج العاصمة إذا كان ذلك مقصدهم.
وفي هذا السياق، فإن الأطراف المعنية بحسب الظاهر، هي باقي الأحزاب من حلفاء الطرفين، وفي هذا الأمر إشكالية كبرى تتصل مباشرة بوضع هذه الأحزاب وتموضعها وهويتها السياسية، إضافة الى كون معظمها ينضوي تحت اطر مقاومة العدو "الإسرائيلي" ومشروعه الذي يتفق الجميع على أن له امتداداته في الداخل، وهذا الأمر ظاهر مباشرة من خلال شبكات العملاء التي تتهواى كل يوم كما من خلال بعض المواقف السياسية التي تلبي ذلك المشروع وتخدمه بشكل غير مباشر، والله أعلم.
ما يجب الوقوف عنده أيضا في مشروع بيروت منزوعة السلاح، هو الجهة التي ستشرف على تنفيذه. وافتراضا أن هذه الجهة ستكون الجيش اللبناني، إما مباشرة أو مؤازرة لقوى نظامية اخرى، ففي ذلك إلهاء للجيش عن مهمته الرئيسية في المواجهة مع "إسرائيل" وتوريط له في النزاعات الداخلية التي من المفترض أن يحسمها اتفاق سياسي من هنا أو التزام باتفاق تهدئة من هناك، كما أن الطلب الى الجيش الدخول في هذا المعترك سيحقق ولا شك رغبة الولايات المتحدة و"إسرائيل" بجعله شرطيا في النزاعات الداخلية لتمزيقه واستبعاده من المواجهة المحتملة في اية لحظة ودون اسباب مباشرة أو مقدمات.
ما قاله الحريري في "خطاب القلم" في إطار الرد على كلام السيد نصرالله، لا يخرج عن كونه ردة فعل سطحية تنم عن ضعف في استيعاب الموقف وهو قد يكون ناتجا من ثلاثة أمور، إما عدم الخبرة السياسية، أو إصرار على المضي في مشروع لم يقتنع الحريري حتى اللحظة بأنه مضر بالبلد، أو هو لا يستطيع الخروج من التزامات قطعها عندما كان في أوج "مرحلة الغضب" بعد اغتيال والده في الـ 2005 وقيام "ثورة الأرُزّ" (بضم الراء وتشديد الزاي).
لا يبدو حتى أن الرئيس الحريري قد استوعب ما تستوجبه العلاقات السياسية الدولية من دبلوماسية، وهو الذي رجع من سحوره في دمشق بنَفَس لا يقارب تطلعات دمشق وغيرها الى التهدئة، وهذا الأمر إنما يثبت ان العاصمة السورية مازالت تحافظ على التزاماتها تجاه الحريري وتجاه راعيه بأنها ستكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف في لبنان دون أن تتدخل في ما يعني شؤونهم على المستوى الداخلي ما دام لا يمس استراتيجتها إقليميا ودوليا، وهي قد رسمتها من خلال المقاومة كخيار لا بديل منه.
السؤال المطروح حاليا يتصل بما يمكن أن يسفر عنه لقاء مرتقب بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس الحكومة، الذي بدأت الاتصالات التمهيدية الهادئة له، عله يكون خلال فترة عيد الفطر المقبل، لتستعيد البلد أجواء "التهدئة القسرية" حتى إشعار آخر لا بد وأن يأتي قريبا من خارج الحدود.
تعليقات