المحكمة والملك
المحكمة والملك
البناء / 25 تشرين الثاني 2010
محمد شمس الدين
كشفت الايام القليلة الماضية عن بطء الوتيرة التي يسير فيها ما عرف بالمسعى السعودي- السوري، حول الأزمة اللبنانية الناشئة عن القرار الظني أو الاتهامي الذي سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في حين تشير الوقائع الى أن ذلك المسعى قد توقف عند لحظة مغادرة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الى الولايات المتحدة الأميركية تحت عنوانين: الأول يتعلق بمتابعة العلاج، والثاني يتصل بحسب بعض المعلومات ببحث الشؤون السياسية بشقيها الداخلي السعودي، الخارجي والإقليمي، انطلاقا مما وصلت اليه الأمور على الساحة اللبنانية والطريقة التي ينتهجها خادم الحرمين في المعالجة.
ماذا يحصل داخل المملكة؟ وما علاقته بالأزمة في لبنان؟ وما مدى تأثره بالمحكمة الدولية في قضية الحريري؟.
مصادر سياسية قالت، يبدو أن المسعى السعودي - السوري قد توقف على ضوء التطورات التي حصلت في المملكة السعودية، والتي اتسمت ببعض التشكيلات والإجراءات التي واكبت مغادرة الملك الى الولايات المتحدة، كما اتضح أن ما كان يحكى عن زيارة سيقوم بها نجل الملك عبد العزيز الى دمشق لمتابعة التنسيق والتشاور مع المسؤولين السوريين من أجل التوصل الى صيغة مشتركة ترضي طرفي النزاع في لبنان، قد ألغيت بعدما كانت مقررة من قبل عيد الضحى، وفي ذلك دلالة على أن الرياض لا تملك زمام القرار في اية تسوية من الممكن التوصل اليها، بسبب الضغوطات الاميركية التي وصلت الى حد التهديد بزعزعة الاستقرار السياسي في السعودية، من خلال النقاش المحتدم الجاري حول ولاية العهد، خصوصا أن الملك عبدالله إنما يتجه الى تغيير قواعد الخلافة المعتمدة في المملكة منذ عقود، عبر نقل السلطة الى الإبن بدل الأخ الذي هو سلطان بن عبد العزيز حاليا.
تقول المصادر بأن السبب في توجه الملك هذا الاتجاه، هو الخلاف بين «الأخوة الملوك» حول طريقة إدارة الصراع في المنطقة ودور السعودية فيه، إضافة الى أن عملية توريث الحكم باتت بحاجة الى نقلة نوعية لإخراجها من «الكهولة» ما يبرز أدوارا للجيل الثاني، ويعزز من طموحات الأبناء كما يؤجج الصراع بين أولاد العم الذين يقتدون في التوجهات السياسية بآبائهم. فأولاد الملك عبدالله ينظرون الى الأمور بالمنظار السياسي نفسه الذي يحاول تكريسه منذ أن كان وليا للعهد في فترة حكم الملك فهد بن عبد العزيز، في حين ان ولي العهد سلطان الذي تولى حاليا إدارة البلاد بالنيابة عن الملك في فترة غيابه «القسرية»، بعدما «حوصر» بأمر تسليم قيادة الحرس الوطني السعودي لنجل عبدالله، إنما يملك توجها مختلفا عن أخيه حيال كل القضايا المطروحة على الساحة العربية، خصوصا تجاه إيران وسورية، وامتدادا تجاه حزب الله في لبنان، الأمر الذي يتبناه بقوة نجله الأمير بندر الذي يخطط ويسعى منذ فترة طويلة الى القيادة ضمن طموحات غير محدودة تتلاقى مع تطلعات الغرب في المنطقة.
تشير المصادر، الى أن الوضع داخل السعودية قد تحرك على هذا المستوى بعد الحديث مباشرة عن نية الملك «الإطاحة» بالمحكمة الدولية أو وقف مفاعيلها، بعدما ثبت لديه أنها قد تشكل عامل فتنة في لبنان، وبعد أن تكونت قناعته بأنها قد تمتد الى المنطقة برمتها بحكم تركيبتها الجيوسياسية، خصوصا وقد بات واضحا، أن ما تريد تحقيقه الدول الغربية الراعية للمحكمة الدولية من أهداف، بات بعيدا جدا عن مطلب كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وفي هذا السياق ذكرت المصادر بأن الملك قد بنى رأيه حول ضرورة وضع حد لما يمكن أن ينتج من المحكمة، على اساس انه، إن لم يكن من أولياء الدم المباشرين، فإنه من اصحاب «مونة» عليهم تقارب درجة قربهم من الحريري الأب لاعتبارات عديدة تمتد الى أكثر من ثلاثة عقود من العلاقات الوثيقة.
وتضيف المصادر، أن المعلومات التي وضعت في يد الملك حول تداول سيناريوهات بين الأميركيين وبعض الإدارة السعودية من العائلة الحاكمة، والتي من شأنها إدخال السعودية في متاهات الأهداف الأميركية المنشودة، قد دفعت بالملك الى بذل الجهد من أجل الإبقاء على الدور الذي يرى أن على السعودية أن تلعبه في خضم التأجيج المذهبي التي تعيشه المنطقة، نتيجة ضغط الأحداث المتواصلة، من الغزو الأميركي للعراق عام 2003، الى اغتيال الحريري وصولا الى حرب العام 2006 على لبنان وما نجم عنها، ناهيك عما خاضته المنطقة من جراء الهجمة الدولية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية على خلفية ملفها النووي، مشيرة في هذا السياق الى أن الملك السعودي قد أقر ضمنا بخسارة المعركة الأميركية – «الإسرائيلية» التي وضعت المملكة السعودية في واجهتها، لافتة الى أن اولى نتائج هذه الخسارة قد انعكست في انكفاء وزير الخارجية سعود الفيصل – الذي يتلاقى مع سياسة بندر وينظر الى ولاية عبدالله على أنها الأضعف في تاريخ المملكة السعودية- عن واجهة التحركات السعودية، وبروز الأمير عبد العزيز بن عبدالله في معظم الملفات الحساسة بعد أن اضطلع الملك شخصيا بإدارتها.
وترى المصادر، أن ما وصلت اليه العلاقات بين السعودية وسورية في الآونة الأخيرة، قد ساهمت في زيادة الضغوطات الأميركية على الرياض الى درجة التهديد بزعزعة الاستقرار السياسي، ولا سيما أن انعطافة الملك قد تؤدي الى توجيه الضربة القاصمة لظهر المشروع الاميركي في المنطقة، والذي يعتبر أصحابه بأن ما يُقر به الملك ضمنا من خسارة لا يمكن الاعتراف به على هذا النحو، لأنه يحقق الانتصار السياسي للمشروع الآخر في غياب اية تسوية، إن على خط واشنطن – طهران أو على خط واشنطن – دمشق، وما يمكن ان تعكسه على مجمل الملفات في المنطقة من العراق الى فلسطين مرورا بلبنان الذي يتحضر لمواجهة عين العاصفة.
هل سيدفع الملك السعودي ثمن ما بدأه من تسوية للمحكمة الدولية؟، وكيف ستتعامل دمشق مع ما تأمل إنجازه من مسعاها مع الرياض في ظل التأخير الذي فرضته زيارة الملك الى الولايات المتحدة؟، مع الحديث عن قرب صدور القرار الذي صار لا بد منه.. ومن مواجهته مباشرة!.
تعليقات