نجاد في لبنان.. دور إيراني استراتيجي «عالمكشوف»
نجاد في لبنان..
دور إيراني استراتيجي «عالمكشوف»
البناء // 14-10-2010
محمد شمس الدين
خطفت زيارة الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الى لبنان الأضواء، وفرضت نفسها على الساحتين الداخلية والخارجية لما لها من تأثير في مجريات الأمور بعد التطورات السياسية الأخيرة التي شهدها لبنان في ظل استمرار التجاذب حول العديد من الملفات، وصولا الى النقاش الذي يتعمد البعض فتحه حول ما سترسو عليه هوية البلد إثر التحولات التي فرضتها حرب العام 2006، وما افرزته من نتائج ما زالت مفاعيلها مستمرة حتى اليوم على الأطراف التي دعمت المقاومة ضد «إسرائيل»، وفي مقدمتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ربما حان الوقت لتبدأ قطف ثمار ما زرعته في لبنان منذ ما يقارب الثلاثة عقود.
زيارة نجاد الأولى الى بيروت والثانية لرئيس إيراني بعد الثورة الإسلامية لم تخل من تحديات كبرى، اولها تحقيق هذه الزيارة في ظل إطلاق النار السياسي عليها والتهديدات التي وجهت الى نجاد على خلفيتها، لا سيما تلك التحذيرات التي اطلقتها الدولة العبرية سراً وعلانية، وردّت عليها طهران بتحذيرات مماثلة نبهت فيها «إسرائيل» بأن لا ترتكب أية حماقة من شأنها ان تشعل المنطقة. وقد بقي حزب الله صامتا حيال تلك التحديات لأنه يعرف جيدا أن «تل أبيب» ليست قادرة على توجيه أية ضربة عسكرية أو أمنية لهذه الزيارة، والتي سيكون وقعها قويا على معنويات «الإسرائيليين» عندما تطأ قدما نجاد منطقة الجنوب اللبناني وتحديدا الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة.
الزيارة الإيرانية الرسمية والشعبية الى لبنان والجنوب سيكون لها تأثيرها الإيجابي على الأزمات المفتوحة هنا، خصوصا وأنها تتم تحت سقف التهدئة ودعم الاستقرار، وهو ما حرص الرئيس الإيراني على إبلاغه الى المعنيين في لبنان، في حين أن اتصالاته التي اجراها مع كل من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز والملك الأردني عبدالله الثاني، قد أكدت على أن مضمون الزيارة سيصب في مصلحة دعم استقرار هذا البلد، وأنها ايضا ليست موجهة ضد أي فريق لبناني، كما أنها لا تهدف الى إرسال رسائل خاطئة الى المملكتين السعودية والأردنية، وهو الأمر الذي اكدته مصادر إيرانية مواكبة عن قرب لزيارة نجاد.
يوحي تصرف الرئيس الإيراني تجاه الملك السعودي بكثير من اللياقات، وهو كما يؤكد الإعلان عن الدور الإيراني المباشر على الساحة اللبنانية لا سيما في ما خص الصراع الدائر في المنطقة على خلفية القضية الفلسطينية، فإنه يؤكد ايضا على احترام دور المملكة السعودية وملكها في لبنان. في حين ان ذلك الاتصال إنما يستبطن تجديد الدعوة الإيرانية الى الشراكة مع السعودية وتوحيد الرؤية تجاه القضايا التي تعيشها المنطقة وفي مقدمتها فلسطين وعودة اللاجئين الفلسطينيين اليها.
هذه الدعوة الإيرانية المفتوحة منذ زمن تقول عنها المصادر نفسها، إن فيها «الترياق» لكل المشاكل التي تواجه الأمة، لا سيما على صعيد ما يحاك من فتن مذهبية بين السنة والشيعة ليس في لبنان فقط وإنما على امتداد العالم خصوصا الإسلامي منه، مشيرة الى أن اي فتنة مذهبية قد تشتعل ستؤدي حكما الى اندلاع الفتن الطائفية بين كل المكونات السياسية في المنطقة وربما عبر العالم. وهذا الأمر يجب أن تعيه كل الأطراف الحريصة على استقرار الاوضاع في لبنان خصوصا تلك التي تنفخ في نار الفتنة لاعتقادها بأن نيرانها لن تمسها.
وفي هذا السياق فإن في العلاقة الاستراتيجية التي تجمع إيران بسورية مساحة واسعة لـ»ثلاثية» القيادة، حيث تؤكد المصادر على أن دمشق تسعى لأفضل العلاقات مع الرياض بعيداً من كل الإشكالات والحساسيات التي سادت في الفترة الماضية، وهي ترى في الملك عبدالله عنوانا للتوافق العربي حيال كل القضايا المطروحة. إلا ان بعض المشاريع التي تُبنى في بعض العواصم العربية على قاعدة حفظ المصالح الخاصة ولو باستفحال الأزمات الداخلية والخارجية، تسعى الى إعاقة مسيرة التوافقات العربية التي تضمن استعادة الحقوق وتحفظها.
تقول المصادر إن نتائج الاتصالين مع الملكين في كل من السعودية والأردن كانت إيجابية ومشجعة، ومعترفة بأهمية أن تلعب إيران دورا في تحقيق الاستقرار على الساحة اللبنانية، وهو ما تسعى اليه إيران بشكل جدي بعدما استطاعت تعزيز مساحتها في المنطقة من خلال عاملين: الأول: ما قدمه لها دعمها لحزب الله والمقاومة اللبنانية التي غيرت اتجاهات الصراع وقلبت موازين المنطقة بعد حرب تموز على لبنان في 2006 ووجهت «لإسرائيل» صفعة مدوية. والثاني: نجاحها في تنفيذ برنامجها النووي السلمي بالرغم من الحرب الضروس التي خيضت ضدها على مدى السنوات العشر الأخيرة، ما أدخل على الموازين الدولية أيضا أبعادا اخرى في القوة والنفوذ السياسيين والاقتصاديين.
تضع إيران لبنان والمنطقة من خلال زيارة نجاد أمام خيارالاستفادة من كل مقدرات القوة التي امتلكها بالمقاومة، ولتحفظ لهذا اللبنان دورا مهما في أزمة المنطقة وذلك عبر توفير الدعم الكامل له ليكون قادرا على حسم هويته السياسية والتخلي عن منطق الحياد الذي لم يعد له مكان في ضوء التطورات الجارية في المنطقة، ولأن فيه (الحياد) ايضا امكانية لعودة النشاط الخبيث لقوى خارجية بهدف زعزعة الاستقرار الذي تفرضه قوة وإرادة أطراف الداخل ولا يمكن لأي دولة أو سلطة خارجية أن تمنحه.
تعليقات