«س ـ س».. ورأب صدع التفاهمات!
«س ـ س».. ورأب صدع التفاهمات!
البناء // 18-10-2010
محمد شمس الدين
تتسارع وتيرة التحركات السياسية على الساحة الإقليمية على خلفية العديد من الاستحقاقات الداهمة، وفي مقدمها التعثر الواضح في المفاوضات المباشرة التي ترعاها واشنطن بين الفلسطينيين و»الإسرائيليين»، إضافة الى ما يتصل بتشكيل الحكومة العراقية التي أضيء لها الضوء الأخضر بموجب اتفاق ثلاثي بين واشنطن وطهران ودمشق يقضي بتولي نوري المالكي رئاسة الحكومة، وذلك بعد مسار عسير في تشكيلها فرضته نتائج انتخابات البرلمان العراقي التي جرت في آذار/مارس الماضي. وبتحقيق هذا الاتفاق يكون بند العراق قد سقط من التفاهم السعودي - السوري الذي جرى في قمة بيروت الثلاثية حول جملة أمور في المنطقة، ما يستوجب إعادة ترميمه، وهو الأمر الذي يفضي الى استئناف اللقاءات المباشرة بين الرئيس بشار الأسد والملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز. علما أن اللقاءات بين الجانبين السوري والسعودي لم تنقطع وخاصة خلال الأسبوع الماضي حيث أجرى مبعوث الملك الخاص الى سورية الأمير عبد العزيز نجل الملك سلسلة من الاجتماعات المكثفة مع الرئيس الأسد، ركزت بمجملها على تفادي المأزق الذي تسير اليه الأوضاع في لبنان بسبب التأزم الذي شهده على خلفية قضية شهود الزور والمحكمة الدولية.
مصادر سياسية عليمة قالت إنه من المفترض أن يبحث اللقاء السعودي - السوري في إعادة ضخ الحياة الى تفاهم بيروت، وإزالة الشوائب التي تعترضه بفعل ما فرضته ظروف المنطقة من جهة، وتفادي الانزلاقات في الوضع في لبنان بعد الحماوة التي طغت على الخطاب السياسي فيه من جهة ثانية، مشيرة الى أن المخاوف المطروحة من زعزعة الاستقرار هي مخاوف جدية، في ظل مراهنة البعض في الداخل مدعوما من الخارج على قدرته إجراء «صدمة» في الحالة الداخلية تعيد خلط الأوراق من جديد، وذلك تحت عنوان تحريك الفتن المذهبية عبر استخدام وسائل الإعلام هذه المرة في الترويج لها، وهو ما ظهر جليا في الأيام القليلة الماضية من خلال استغلال زيارة الرئيس الإيراني الى لبنان لإثارة المشاعر. في حين أن الجميع يعرف ارتباطات بعض البرامج التلفزيونية بدوائر سياسية معينة، والتوجيهات التي تتلقاها من بعض السفارات الأجنبية ضمن مسلسل بدأ منذ الغزو الأميركي للعراق العام 2003.
ورأت المصادر أن الحركة السريعة التي تشهدها المنطقة، إنما جاءت نتيجة لعدة تفاهمات أميركية – إيرانية شكل العراق اولى نتائجها العملية، بعدما اخفقت الولايات المتحدة في إيصال مرشحها إياد علاوي الى رئاسة الحكومة نتيجة الفيتو الإيراني عليه، وذلك بالرغم من كل الدعم الذي لقيه هذا الأخير من غير دولة عربية وازنة في الملف العراقي، واعتراض هذه الدول نفسها على شخص المالكي في تولي المنصب، مشيرة الى أن التفاهمات الأميركية - الإيرانية قد فرضتها ظروف انسحاب القوات الأميركية من العراق في اواخر العام 2011، التي تسعى واشنطن الى أن يكون «سلسا» للغاية في ظل الظروف التي تواجهها قوات حلف شمالي الأطلسي في افغانستان. كما ان تلك التفاهمات قد سهلت زيارة نجاد الى لبنان بالرغم من الموقف الأميركي المعلن في هذا الصدد، الذي وصفته المصادر نفسها بأنه كان «ضعيفا» لم تستطع معه الإدارة الأميركية وحلفاؤها في المنطقة من توظيفه في الحد من قوة الزيارة أو انعكاسات نتائجها على الوضعين اللبناني الداخلي أو الإقليمي.
إذن فالملفان الأساسيان المطروحان على جدول أعمال قمة الاسد – عبدالله هما معالجة تداعيات التطورات على الساحة العراقية وتلافي انعكاسات التأزم في لبنان، وهو الأمر الذي ستظهر نتائجه في الأيام القليلة المقبلة مع انتهاء مفاعيل «الهدنة» التي فرضتها زيارة الرئيس الإيراني الى بيروت، وعودة بروز الملفات الخلافية من حيث انتهت قبلها، أي ملف «شهود الزور» وتقرير وزير العدل حوله، وكيفية معالجته من قبل مجلس الوزراء في جلسته المرتقبة بعد غد الأربعاء بعيدا عن التصويت الحاسم والمحسومة نتائجه بعد احتساب اصوات أجرته غير جهة سياسية. غير ان المتوقع هو استمرار عملية الـتأزيم السياسي الداخلي الى حين استقرار الوضع إقليميا، والانتهاء من عملية التموضع الجارية حاليا على قدم وساق في ظل سريان مفاعيل الأحداث الممتدة الآنفة الذكر.
المصادر نفسها تؤكد بأن السعي الحثيث يقوم في المنطقة راهنا على مبدأ تثبيت ذلك التموضع، من دون تعريض الوضع اللبناني الداخلي الى اهتزازات أمنية، الأمر الذي اكدت عليه جميع المحادثات التي جرت وتجري بين الأطراف مجتمعة أو منفردة، وهو أيضا ما تلتزم به المملكة السعودية وسورية وتوليانه الأهمية القصوى، وهما متفقتان على أنه مهما بلغ الخلاف بين الجانبين، فإنه من الضروري أن لا ينعكس على الأوضاع في لبنان. وفي الوقت نفسه هو ما حرص على تأكيده الرئيس الإيراني خلال زيارته التي جعلت من استقرار الأوضاع في لبنان والحفاظ على صيغة التعايش فيه عنوانين رئيسيين لها. كما تلتزم بذلك الأطراف المعنية في لبنان ولا سيما حزب الله والرئيس سعد الحريري الذي أعلن أمام القريب والبعيد عن سعيه الى تحقيق ذلك، لكن تبقى على عاتقه مسؤولية ضبط بعض فريقه المستفيد من فلتان الأوضاع ضمن حسابات عشوائية قد تطيح كل الجهود المبذولة.
تعليقات