رأيان أميركيان.. و"تنافس" على تسليح الجيش
رأيان أميركيان.. و"تنافس" على تسليح الجيش
البناء // الخميس // 16 أيلول 2010
محمد شمس الدين
رأيان يتنافسان داخل أروقة وزارة الخارجية الأميركية والكونغرس الأميركي حول تسليح الجيش اللبناني واستئناف المساعدات له، يقضي الأول بوقفها نهائيا في ظل التوازنات التي فرضها منسوب تسلح حزب الله وما ينطوي عليه من أبعاد سياسية تمس جوهر الصراع في المنطقة، في حين يميل الثاني الى استمرار ضخ المساعدات للمؤسسة العسكرية في لبنان، مع الاستمهال فترة من الزمن ريثما تتضح صورة المنطقة في المرحلة المقبلة، خصوصا لجهة حسم الوجهة السياسية التي ستستقر عليها الحكومة العراقية العتيدة واتضاح صورة المفاوضات المباشرة التي تجري حاليا بين "السلطة الفلسطينية" و"إسرائيل" ليبنى على الشيء مقتضاه.
الا ان اصحاب الرأي الثاني يضمرون شيئاً ولا يعلنونه بحسب بعض الأوساط الدبلوماسية الغربية المتابعة لهذا الملف، وهو الرهان على ما ستسفر عنه حرب "إسرائيلية" جديدة على لبنان في محاولة أخيرة لتحقيق الأهداف التي عجزت عن تحقيقها في الحرب السابقة عام 2006، بالرغم من كل التوقعات النافية لهذا الاحتمال من غير جهة سياسية، داخل لبنان وخارجه على الأقل في المدى المنظور، إذ ان تلك الأوساط تؤكد على أن القرار "الإسرائيلي" بات جاهزا في ظل الاستعدادات الهائلة التي يجريها جيش الدولة العبرية على هذا الصعيد، لافتة الى أن الجبهة مع لبنان ما زالت تزدحم بحوالى خمسين ألف جندي يعيشون حالة استنفار شبه دائمة بانتظار ساعة الصفر وسط استمرار المناورات الحربية لمحاكاة ما يمكن أن يواجهوه فعليا على الأرض.
الداعون في الولايات المتحدة لاستمرار تسليح الجيش اللبناني والمتريثون في تنفيذه، يحثون الإدارة الأميركية على إعطاء الضوء الأخضر لـ"إسرائيل" للشروع في تنفيذ مثل تلك الضربة "ولو اختباريا" لقياس حجم رد الفعل اللبناني من جهة، وإخضاع عناصر الجيش "الإسرائيلي" لتجربة حيّة بعيدة عن تمثيليات المناورات التي يجريها، وذلك استنادا الى مجموعة من المعطيات التي توفرها المصادر "الاسرائيلية"، إضافة الى بعض الجهات اللبنانية المقربة جدا من الولايات المتحدة، والتي أوصت السفيرة الأميركية السابقة في لبنان ميشيل سيسون قبل انتهاء فترة انتدابها الى بيروت مهمة تسويقه لدى ادارتها .
غير أن الإدارة الأميركية التي توقفت عند حادثة العديسة ملياً وما رافقها من سجال حول مشروع تسليح الجيش وحاجاته في المواجهة، قد أثارتها بعض التصريحات التي صدرت عن بعض المسؤولين اللبنانيين الذين تحمسوا لعقد صفقات مع دول تعتبرها الولايات المتحدة من الأعداء وعلى "لائحة الإرهاب"، في حين أنها لم تستطع الجزم حول ما إذا كان الهدف من تلك التصريحات هو استفزازها أو انها فعلا تفتح باباً واسعاً لتدفق سلاح من غير منظومتها، وهو الأمر الذي يخل بالتوازن الإستراتيجي على المستوى السياسي وليس العسكري فقط ما يستدعي المزيد من الخطوات الأميركية للحؤول دون ذلك، وهي المهمة الرئيسية التي تضطلع بها السفيرة الاميركية الجديدة مورا كونيللي التي سلمت أوراق اعتمادها في وزارة الخارجية منذ أقل من إثنين وسبعين ساعة.
الأوساط الدبلوماسية الغربية تقول إن الولايات المتحدة ومعها بعض العواصم الأوروبية والعربية، تترقب بشكل حثيث ما سينتج على هذا الصعيد عن زيارة الرئيس الإيراني الى بيروت في تشرين الأول المقبل، لكنها متفائلة بأن لبنان لن يتجرأ على طلب المساعدات بشكل مباشر، وإذا حصل ذلك فإن ما سيطلبه لن يتعدى بعض المعدات التي لا تشكل قلقا بالنسبة لـ"إسرائيل" كما لا تزعج الولايات المتحدة. في حين أن السؤال يتمحور حول قدرة لبنان على رفض هبات قد تقدمها إيران في مجال تسليح الجيش انطلاقا من قراءتها لواقعه من دون طلب لبناني مباشر، خصوصا وأن المقاومة في لبنان تعرف عن كثب الامكانيات التي لدى الجيش وهي بامكانها أن تقدر نوعية السلاح الذي يحتاجه لمواجهة "إسرائيل" استنادا الى أمرين، أولا: التجربة، وثانيا: قناعتها بان مقاومة الجيش لـ"إسرائيل" قد لا تحتاج الى ما هو أكثر مما تملكه المقاومة نفسها، علما أن ما لا تملكه ويعتبر محرما عليها كـ"الدفاعات الجوية" مثلا، لن يكون بالتالي حراما على الجيش النظامي، وهو ما تطمح إليه المقاومة كما تصرح، من أجل تحقيق التكامل في ما بينهما، وهو الأمر الذي برّره لها البيان الوزاري الأخير لحكومة الرئيس سعد الحريري ودائماً بحسب الأوساط الدبلومسية الغربية المتابعة.
ما كشفت عنه الزيارات الأميركية العسكرية والدبلوماسية المتوالية منذ اكثر من سنتين الى بيروت، المعلن عنه والمستتر، لمناقشة المسؤولين اللبنانيين حول دعم الولايات المتحدة الأميركية "المستمر" للجيش اللبناني ليتمكن من الحفاظ على السلم والاستقرار، ومن حماية الشعب اللبناني - وكما جاء في أكثر من بيان للسفارة الأميركية -، إنما يعبرعن مدى القلق الأميركي من خروج الجيش عن مسار تسلحه من الترسانة العسكرية الأميركية وما لهذا الأمر من دلالة سياسية. في وقت لم تستطع فيه الولايات المتحدة التي عملت بجهد كبير على مدى السنوات الأخيرة تحقيق ما تسميه "تصحيح" العقيدة القتالية للجيش كشرط لتزويده بالسلاح الذي يحتاجه في أكثر من موقع وقضية.
ما أبلغه المسؤولون الأميركيون لنظرائهم اللبنانيين كان يركز دائما على أن ما يمكن أن يزود به الجيش من سلاح، ليس لمقاتلة "إسرائيل" وإنما لمكافحة "الإرهاب"، وفي هذا التعبير معان كثيرة ليس أقلها ما دأبت "إسرائيل" على محاولة تنفيذه وهو نزع سلاح حزب الله، معتبرة أن ذلك من مسؤولية الدولة اللبنانية. وفي هذه النقطة بالذات يكمن ربط تزويد لبنان بالسلاح.
وفي هذا السياق، خلصت مصادر سياسية لبنانية الى أن لبنان قد يصبح مخزنا لأسلحة متنوعة المصادر دليلا على حياديته، مشيرة الى أن معظم الزيارات التي قام بها رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى العديد من الدول منذ تسلمه لمهامه كانت متضمنة بند مساعدة لبنان عسكريا عبر تزويد الجيش اللبناني بما يلزمه من عتاد لمواجهة التحديات التي يواجهها لبنان وذلك انطلاقا مما يشكله هذا البلد من عنصر استقرار أو انفجار في المنطقة برمتها، بعدما حولته بعض الجماعات الارهابية الى مقر ونقطة انطلاق تجاه العديد من الأهداف في داخل لبنان وخارجه، لافتة الى أن رئيس الجمهورية ما زال يتابع هذا الملف عن كثب من خلال "خلية" أمنية وعسكرية قوامها المسؤولون العسكريون والأمنيون كان قد شكلها منذ فترة، وتعمل بتوجيهه مباشرة، مستنداً بذلك الى ما ينص عليه الدستور بصفته القائد العام للقوات المسلحة ورئيس المجلس الأعلى للدفاع، وهو بالتالي كان قائدا للجيش ويعرف أين تكمن مصلحة لبنان على هذا الصعيد.
تعليقات