بعبدا والـ«8200».. «تصفير الإحداثيات»
بعبدا والـ«8200».. «تصفير الإحداثيات»
البناء
3 آذار 2014
محمد شمس الدين
ما كان بالإمكان السكوت على «شطحات» رئيس الجمهورية في لبنان ميشال سليمان الذي
بلغ مداه الأقصى في تصديق أن ما أعلنه من بعبدا ونسبه إليها باستطاعته نسف كل الإنجازات
التي سبقته ،حتى منذ أن كان قائداً للجيش بلا حول ولا قوة كانت لتكون لولا ما بذله
الشعب اللبناني من دماء على مذبح تحرير أرضه من الإحتلال الصهيوني، والآلاف الذين ارتفعوا
شهداء ليبقى الوطن ويكون له دوره الريادي في المنطقة. الدور الذي يحاول سليمان أن يتسلقه
لقاء حفنة من الدولارات وطمعاً بالإستمرار في عالم السياسة ما بعد الرئاسة التي مُنحت
فرصاً كثيرة لتستوي على مقعد فخامة المقاوم أميل لحود.
كان واضحاً من خلال الكلمة التي ألقاها «ساكن بعبدا» بحسب تعبير بيان حزب الله،
أن الرئيس قد خرج عن اتزانه الذي يتطلبه موقعه في المعادلة اللبنانية القائمة، كما
تتطلبه الحيثيات والوقائع التي يمر فيها لبنان، وايضاً تلك الإنجازات التي ما زال اللبنانيون
ينتظرون قطف نتائجها التي تأخرت بفعل «التساهل» الذي أبداه من حققها بهدف تمكين كل
«القاصرين» من استيعابها رأفة بهم، وتجنباً لانقلاب كان يجب أن يحصل في محطات عديدة
،لأنه لو حصل لكان استطاع درء العديد من الأخطار عن البلد والمنطقة لا سيما ما تعيشه
حالياً.
ما أشار إليه بيان حزب الله حول قصر بعبدا «وساكنها» جاء دقيقاً من حيث التقييم،
فإما أن الرئيس قد أصابه ما يعرف بـ سيكولوجياً «الميغالومانيا» عندما اعتبر أن ما
«ملكت يمينه» من خلال «إعلان بعبدا» أهم من المواثيق والدساتير والإنجازات، أو أن ارتباطه
بأجندة سياسية، ظهرت مفاعيلها من خلال خطوات عدة في مقدمها «المكرمة الملكية» للجيش،
يفرض إعلاء السقف بالشكل الذي وضعه سليمان في خطابه الأخير الذي في الحقيقة لم يبق
على أي سقف لحوار وطني استمات هو نفسه من أجله، في حين أن ما أطلقه من «فرمانات» استمدت
«قدسيتها» من «الذات الرئاسية» المستمدة بدورها من «الذات الملكية» قضت على أية فرصة
من أجل تحقيق ذلك، أو حتى امكان الولوج إلى بيان وزاري ما زال الفرقاء المعنيون يناقشون
مضمونه على وقع خلافات حادة حول مفرداته، ولاسيما تلك المتعلقة بالمقاومة.
ما ظهر من فريق «الذات الملكية» في لجنة صوغ البيان الوزاري يتطابق مع ما أعلنته
«الذات الرئاسية» في خطابها الجمعة الماضية في المركز الدولي لعلوم الإنسان في جبيل،
ما يشير إلى أن خطوات منسقة يجري تنفيذها لعدم تمكين الحكومة من التوافق في هذه المرحلة،
لا سيما بشأن المقاومة تمهيداً لإسقاط الشرعية عنها أو ربطها بالدولة بشكل يسمح بمصادرة
قرارها أو تسهيل ضربها عبر المؤسسات الأمنية والعسكرية التي من المفترض أن تحصل على
سلاح فرنسي بأموال سعودية يمكنها من ذلك بحسب تقديرات «الذات الرئاسية» نفسها وفق تصوّر
وضعته ونالت رضى «الذات الملكية» عليه في سياق قراءة تشمل ما يناسب رؤية الممكلة السياسية
والعسكرية والأمنية في لبنان، كما في سورية، بعد سلسلة من الإخفاقات بدأت من جنيف التي
باتت «ملعونة» بعد ما انتجته في الملفّين الإيراني والسوري، وأيضاً بعد فشل الولايات
المتحدة في إنجاز عدوان عسكري كانت تأمل المملكة أن يغيّر مسار الحوادث في المنطقة.
هي إذن عملية إسقاط المقاومة من المعادلة الجديدة بكل الوسائل، وعبر كل المواقع،
وفي كل الإتجاهات، وبشكل منسّق بدقة وحرفية عالية من بعبدا إلى الرياض وقصر «روضة خريم»
والتغييرات التي جرت أخيراً بين رئيس الإستخبارات السعودية بندر بن سلطان ووزير الداخلية
محمد بن نايف في الملف السوري، وصولاً إلى «تل ابيب» وما نفذته طائراتها الحربية من
عدوان على موقع لحزب الله في جنتا البقاعية، وما اقتضاه بعد ذلك من رد هذا الأخير،
أولاً ببيان، وثانياً وعلى «ذمة الغموض» برسالة صاروخية على موقع الـ» 8200» في جبل
الشيخ وبنفس عيار الغارة التي لم يرد منها العدو إلا رسالة إلى من يعنيه الأمر. إلا
أن الرد الأخير بالصواريخ على الموقع «الإسرائيلي» الاستراتيجي نفذ أيضاً بحرفية عالية
فهم مضمونه الصهاينة فوراً واستنفروا كل مواقعهم وحتى سفاراتهم، وهو أن الصواريخ تستطيع
أن تصل إلى داخل الموقع عند اللزوم وأن سقوطها خارجه يساعد على «تصفير الإحداثيات»
لتحقيق إصابة مباشرة في الهدف.
ما ينطبق على العدو الصهيوني في موضوع المقاومة ينطبق على ما سواه، إذ لا مجال
للسكوت عن حرف يؤذيها، ناهيك عن رصاصة أو متفجرة هنا أو هناك، من داخل الحدود أو من
خارجها، وعليه فإن على الجميع إعادة النظر في حساباتهم.
تعليقات