الجزيرة.. "نقطة تحول 1"


الجزيرة.. "نقطة تحول 1"
البناء 22 ايلول 2011
محمد شمس الدين

ما حدث ويحدث في قناة الجزيرة الفضائية القطرية ليس بعيدا عما يحدث في غير مكان في العالم العربي. فصانعة الحدث في أكثر من مكان يبدو انها لم تسلم من "الربيع العربي" المضاد، إذ ان الاستقالات التي شهدتها القناة ليست سوى انقلابات سياسية نفذها امير قطر على مَنْ كان يتولى التحريض باسمه، لكن في الواقع فإن دور ذلك الموظف قد انتهى وعاد الى حجمه الطبيعي، بعد التضخم الذي طرأ عليه منذ غزو العراق عام 2003.
تقول مصادر مراقبة للتطورات على الساحة الخليجية او "مركز إدارة الربيع العربي"، كما وصفتها، إن الاستقالات في المؤسسة الإعلامية التي يبلغ حجم إنفاقها السنوي نصف مليار دولار، إنما تعكس الموقف السياسي لدولة قطر وأميرها بالتحديد، في حين انها عكست إرادة ودور الولايات المتحدة الأميركية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة، وباعلان اميركي صريح من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عندما سارعت الى انتقاد الإعلام الأميركي في طريقة تعاطيه مع الحدث على الساحة العربية، واستشهدت بقناة الجزيرة وطلبت الى الكونغرس والإدارة السياسية في واشنطن متابعة القناة القطرية لمعرفة اخبار الثورات و"عمليات التحول باتجاه الديمقراطية" بحسب التعبير الأميركي. كان هذا الكلام مفصليا في حسم قرار تبني المحطة أميركيا من قبل الإدارة، وما افضى الى دور لمالكها الأمير أكبر من حجم الإمارة، وهو ما كان يطمح اليه في منافسته للسعودية على دورها بخاصة بعد أن اخفقت في ادارة الملفات التي كانت بيدها من الملف اللبناني الى الملف الفلسطيني، مع شريكها المخلوع حسني مبارك ناهيك عن الملف اليمني وصولا الى العراق.
بغض النظر عما سرّبته "ويكيليكس" عن ارتباط من استقال من الجزيرة بالاستخبارات الأميركية، فإن ذلك في الحقيقة لم يكن كشفا يسجل لتلك التقارير التي تملأ الدنيا وتشغل الناس، لأن أداء القناة منذ زمن بعيد لم يبارح المساحة التي تخدم السياسات العليا للولايات المتحدة ومشاريعها، تارة بالاسلوب الناعم وطورا بأسلوب مباشر، إلا انه من الصعب التصديق ان أمير قطر المشرف المباشر على القناة، يمكن أن يكون يوما خارج الإرادة الأميركية التي تشكل بالنسبة اليه الحامي الأعظم في الصراع القائم على مستوى المنطقة، في حين أن القواعد الأميركية على أرض بلاده هي خير دليل على ذلك.
يصح القول إنه اذا كانت "اسرائيل" عبارة عن جيش يمتلك دولة، فإن الجزيرة تلفزيونا صنع دولة. فما اقدمت عليه القناة خلال سنوات طوال يشير الى أن الدور والأداء السياسي لقطر كانت هي من تصنعها، أو على الاقل كانت تستطيع فرض ما كان يدور في خلد أمير الدولة الذي استخدم أداته في التهديد والوعيد وشن الحملات، كما استخدمها في الإقناع والتدليس وبيع المواقف والمحاباة، بهدف الوصول الى مبتغى يخدم سياسات بعيدة كل البعد عن نسيج المنطقة العربي والقومي.
وتؤكد المصادر المراقبة ان الانقلاب الذي حصل في الجزيرة هو مقدمة لنقطة تحول سياسي رقم 1، قد تشهده قطر في المرحلة المقبلة، أو قد يكون البداية لتحولات اخرى انطلاقا من الأحداث الجارية على الساحة العربية، في حين أن ذلك الانقلاب يؤشر بما لا يدع مجالا للشك، بأن قطر قررت أن تسجل انسحابا ولو تكتيكيا من الحملات التي تطال سورية، لا سيما في ظل تصاعد الحملة الدولية عليها، وبخاصة من قِبل إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما أو من قِبل فرنسا، ويدهما الطولى في المنطقة التي اصبحت تركيا بعد أن اثبتت جدارتها في قيادة الفتن على مستوى المنطقة، عقب الدور الذي لعبته في الأزمة في سورية، وما اعلنته من مواقف في اتجاهها.
كان التنسيق القطري – التركي "المبارك" من الولايات المتحدة في أوجه عندما شعرت الدولة الخليجية الصغيرة بأنها لا تستطيع إكمال المشوار، لأن ملامح انتهائه بدأت تظهر. وهي باتت غير مطمئنة لنتائجه، ما سيؤدي الى تداعيات جمّة ستطالها بالتأكيد مهما حاولت تجنبها، إذ أن الفرز السياسي الذي وصلت اليه الأمور لا بد وأن يكون له انعكاساته حتى على من لم يتدخل في صوغ الأزمات، فكيف اذا كان هو مَن صنعها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار