عين على سورية؟!

عين على سورية؟!
البناء 24 آذار 2011
محمد شمس الدين
بعيداً عن تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة ومجريات الاتصالات التي لم تتوقف بشأنها مع مرور ما يقارب الشهرين على تكليف الرئيس نحيب ميقاتي بهذه المهمة الصعبة، والتي تتزامن مع ظروف عالية الدقة تبعا لما يجري في المنطقة العربية من ثورات، فإن العين تبقى مشدودة الى سورية التي تصدت لبعض حركات الشغب في محافظة درعا القريبة من الحدود الأردنية، حيث لجأت مجموعات من الشبان الى استغلال التحركات الشعبية في غير دولة عربية من أجل تحريك الوضع ضد الدولة هناك، في محاولة تبدو يائسة في ظل عملية الاستيعاب التي تقودها المؤسسات الرسمية السورية، وصولا الى رئاسة الجمهورية التي تولي المطالب الشعبية وحاجات المجتمع الأولوية المطلقة. في حين ان هذا الأمر ليس جديدا على سورية كما يعتقد البعض بأنه يندرج في إطار ردات الفعل لاستيعاب عدوى الثورات، ولكنها سياسة دمشق التي بدأت منذ تولي الرئيس بشار الاسد سدة الرئاسة عام 2000.
لقد كان من الطبيعي أن يخطو الرئيس السوري باتجاه تنفيذ برنامج إصلاحي بعد وفاة الرئيس الأب، ذلك أن الدولة في سورية قد أدخلت العديد من البرامج الإصلاحية على كافة المؤسسات. والذين يزورون دمشق يعرفون مدى التقدم الذي احرزته على غير صعيد منذ عشر سنوات والى الآن، ولكن ذلك كان تبعا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها، كما تأتي انسجاما مع حدود الامكانيات المتوفرة. إلا أن قرار سورية التي اتخذ منذ ما يقارب الخمس سنوات الماضية لناحية تحرير الاقتصاد إنما قطع شوطا كبيرا على طريق التنفيذ بانتظار استكماله بعد اتمام برامج الإصلاحات المقررة.
في ظل ذلك لا بد من الإشارة الى أن سورية قد استطاعت السير في هذا النوع من البرامج وسط ضغوط كبيرة تمارس عليها، إن على صعيد كونها دولة مواجهة مع العدو "الاسرائيلي" وما يقتضيه ذلك من توفير الامكانيات لها، أو لجهة مواجهة تحديات المحافظة على الأمن القومي الذي تحمله "ثورة الحريات" بمفهومها المزيف، الذي يسعى الى استغلال الشعوب لممارسة الضغوط على الدول والأنظمة الحاكمة من اجل تحقيق غايات سياسية محضة لا علاقة لها بالحرية لا من قريب ولا من بعيد، حيث ترفع الدول الغربية تلك الشعارات مستخدمة وسائل الاتصال الحديثة في محاولة لترويج أفكار "ظاهرها حلو وباطنها مر".
لا ينطبق ما يحصل في بعض العالم العربي على ما يحصل في سورية انطلاقا من أن الغالبية المطلقة من الشعب السوري ما زال يؤمن بأن عليه واجب المواجهة انتصارا للحق العربي في فلسطين، في حين أنه ما زال حتى اللحظة يناضل من اجل تحرير أراضيه المحتلة، وهذا ما يوجب عليه التوحد والتنبه لتلك الدعوات الزائفة التي تسوق عبر المواقع الإلكترونية. وفي نظرة سريعة على الدول التي ثارت شعوبها فإن أنظمتها قد غرقت في أمرين: إما الإنصياع لإرادة الإحتلال بوجوهه المتعددة، أو هي غرقت في فساد مستفحل حرم الناس من حقوقهم الطبيعية ناهيك عن سرقة اموالهم وثرواتهم وتقديمها لأعدائهم. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة الى أن الشعب السوري يعلم جيداً بأن الدولة قد امنت الضمانات الاجتماعية لكل الناس دون تمييز، فلا أحد في سورية لا يستطيع أن يتعلم أو يحصل على الاستشفاء اللازم أو حتى المأكل والمشرب ناهيك عن السكن. أما البطالة فهي أزمة عالمية تعاني منها كل دول العالم بلا استثناء وحتى كبرى الدول الصناعية، وهي ناتجة بالدرجة الأولى عن الحروب التي خاضها الغرب إما مباشرة أو بالواسطة واستهلك فيها الأموال الطائلة التي سرقت من جيوب الناس لا سيما شعوب المنطقة التي تثور اليوم مطالبة بثرواتها.
وبين "تحرك" الشعوب وثوراتها و"تحريك" بعض المشاغبين في سورية، تعود الى الأذهان صورة الأحداث التي شهدتها السنوات الخمس الماضية على مستوى المنطقة برمتها لا سيما ما يتعلق منها بالشأن اللبناني، حيث تركز الجهد الدولي بداية على إخراج سورية من لبنان بعد حدثين كبيرين غزو العراق واغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، كخطوة على طريق تنفيذ ما عرف بـ"مشروع الشرق الأوسط الجديد" الذي تبنته إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وتغنت به وزيرة خارجيته كونداليزا رايس. ليطرح السؤال حول من يقف وراء ما حصل في درعا، إذ ان المتربصين كثر كما في المنطقة فكذلك في لبنان، الذي طالما اعتبر الخاصرة الطرية لسورية، وحيث ان المواقف التي تظهر من هنا وهناك تعبر جهارة عن النوايا المبيتة تجاه دمشق.
يظهر في الأفق تقاطعات لا توحي بالاطمئنان حيال أفعال هؤلاء الذين يجوبون العالم الآن من أجل حث الدول الغربية على توجيه الحرب باتجاه سورية وهم يأملون التجاوب، بل يتضرعون الى إيمانهم بامكانية تحقيق ذلك. غير أن قراءة الموقف تبدو مختلفة إذ ان الخاصرة الطرية لم تعد كذلك في ظل الشراكة التي تحققت بين لبنان وسورية بالمقاومة، ليس فقط خلال الحرب "الإسرائيلية" على لبنان في الـ2006، بل يجب العودة الى ما بذل من دماء سورية على أرض لبنان في مواجهة كافة الاعتداءات "الإسرائيلية" منذ سبعينيات القرن الماضي والى الآن.
لقد حمل الدخول العسكري السعودي تحت غطاء خليجي الى البحرين عنوان أن هذه الجزيرة الصغيرة تشكل "العمق الاستراتيجي للأمن القومي السعودي"، لتطل الرياض من هناك على اليمن باعتباره كذلك ايضا، وقد جرى ذلك بمباركة سورية ومعظم دول العالم. وبما أن العمق الأمني القومي الاستراتيجي يشكل غطاء مشروعا للتدخل، فهل سيوافق هؤلاء على الاعتراف بما لسورية في لبنان من هذا الأمر؟!.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار