ميقاتي وثورات المنطقة والانتظار

ميقاتي وثورات المنطقة والانتظار
البناء 7 آذار 2011
محمد شمس الدين
بانتظار أن تتبلور صورة التغييرات الجارية في المنطقة بفعل الانتفاضات الشعبية التي بدأت من تونس ولم تنته حتى الآن في العديد من الدول العربية، فإن الوضع في لبنان سبقى على الأرجح معلقا الى حين اتضاح صورة التشكيلة الحكومية وهويتها لدى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بعد التأكد من عدم توفر امكانية تشكيل حكومة "جامعة" كما كان يشتهي، بفعل قرار قوى الرابع عشر من آذار بعدم المشاركة، والتزامه المبدئي بعدم اللجوء الى تشكيلة حكومية من "لون سياسي واحد" من جهة، وعدم التوصل الى حل العقبات التي تعترض التشكيل لناحية توزيع الحصص الوزارية على الاطراف السياسية المعنية من جهة ثانية.
لعل التعقيدات القائمة إقليميا ومحليا تفسح في المجال أمام "استراحة" من قبل جميع الأطراف، وذلك بعد الإرباك الذي أدخله الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري بموقفه الخطير من سلاح المقاومة والإعلان عن نواياه الحقيقية تجاهه، إضافة الى تزامنه مع طلبات المحكمة الدولية والمدعي العام دانيال بلمار الحصول على بصمات أربعة ملايين لبناني، مع تصاعد الحديث عن قواعد الإجراء والإثبات لجهة طريقة تنفيذ الاستدعاءات التي ستوجهها المحكمة الدولية بعد صدور القرار الظني، الذي على ما يبدو أنه قد تأجل مرة أخرى بحسب ما أوحى رئيس المحكمة أنطونيو كاسيزي الذي اشار الى أمكانية ذلك ربطا بالظروف التي تعيشها المنطقة العربية حالياً ما يدل مجددا على التسييس المعتمد في عملها.
"الاستراحة" القسرية الناجمة عن "المراوحة"، إنما ترتبط مباشرة بعدم قدرة رئيس الحكومة المكلف على حسم خياراته بعدما ألزم نفسه بـ"الوسطية" لا سيما في المستوى السياسي، خصوصا في ظل ما اعلنته قوى 14 آذار عن عدم مشاركتها، أو ما وضعه الحريري في طريقه من عقبات تفرض اعتماد نهج مغاير عما اعتمد في الفترة الماضية حيال السلاح والمقاومة، وصولا الى قضية اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري والمحكمة الدولية الخاصة وما تطلبه وما يراد منها. في حين أن الردود التي أعلنها ميقاتي حول كلام الحريري وفريقه السياسي إما مباشرة او عبر التسريبات الصحافية، تعتبر غير كافية وربما تزيد من الغموض الذي يلف المرحلة الراهنة ويدخل لبنان حلقة الانتظار التي تعيشها المنطقة الى حين اتضاح صورتها السياسية، الأمر الذي تفضله الولايات المتحدة الأميركية حيث انها هي الاخرى تحاول لملمة ما يمكن بعدما شكلت التحركات الشعبية ضغطا شديدا عليها لناحية حفظ مصالحها السياسية والاقتصادية بالحد الأقصى. فالإدارة الأميركية ما زالت تعمل على ضبط الموقف بما يتوافق مع امرين:
 الأول: عدم انهيار البناء السياسي الذي أرسته منذ أكثر من نصف قرن على الأقل، والذي يقوم على ترسيخ أنظمة حاكمة تتبنى خيارات السلام مع "إسرئيل" بهدف دمجها في مجتمعات المنطقة على قاعدة التفوق ليس فقط استراتيجيا بل "تكتيكيا" ايضا وصولا الى قيام الدولة اليهودية.
الثاني: منح الشعوب الثائرة ما أمكن من مطالبها والتي على اساسها ثارت، دون أن تمكنها من ولوج المطالب السياسية التي هي المحك الأساسي، والتي تعتبر عنوان التغيير الحقيقي الذي من شأنه تظهير صورة المنطقة الجديدة. فما تطالب به الشعوب من مساحات للحرية في التعبير أو الاطلاع أو المعرفة أو إنشاء الأحزاب او مشاركة الأقليات في السلطة وما يعرف بالإصلاحات السياسية، إنما هو مشروع قديم للولايات المتحدة كانت بدأت تسويقه بشكل فعلي منذ اكثر من خمسة عشر عاما من خلال ما صار يعرف بالـ"NGO"، وهو الأمر الذي يفرضه في الوقت نفسه تطور التكنولوجيا لا سيما في قطاع الاتصالات الذي جعل من العالم قرية صغيرة.
لا يقلل هذا الكلام من حجم الانتفاضات الشعبية في غير مكان من العالم العربي الذي كان من المفترض أن يثور منذ فترة طويلة، كما لا يقلل من حجم التضحيات التي تقدمها على مذبح التحرر من حكم الأنظمة أو حتى الحصول على الحد الأدنى مما تطالب به، لأنه يشكل في نهاية الأمر خطوة على طريق التغيير الحقيقي. لكن ما تقوم به الولايات المتحدة من محاولات استيعابية يبعث على الخوف من إعادة انتاج أنظمة تريح الشعوب في قضايها المطلبية وتحرمها من تحقيق تطلعاتها السياسية وممارسة إراداتها وخياراتها، خصوصا في قضية فلسطين والصراع العربي – "الإسرائيلي" الذي لا يزال يشكل جوهر القضايا التي تعيشها الأمة في كافة اتجاهاتها.
لا ينفصل الوضع في لبنان عما يحصل في المنطقة. إذ أن ما أعلنه سعد الحريري من على منبره في بيروت هو جزء لا يتجزأ مما تحاول الولايات المتحدة تكريسه من خلال محاولاتها الاستيعابية لحركة الشعوب في دول الثورات، والتي ستنعطف في لحظة ما باتجاه إعلان موقفها من قضية الصراع مهما أعطيت من مكتسبات بهدف اسكاتها أو إلهائها. في حين أن موقف الطرف الآخر في لبنان أيضا، إنما هو في اساسيات ذلك الصراع الذي عنوانه السلاح والمقاومة، اللذين اختارهما الحريري "شعاراً" لحربه ذات الأهداف المتعددة، ومنها اسقاط تكليف الرئيس نجيب ميقاتي من خلال دفعه الى الاعتذار والانسحاب تحت ضغط ملاحقته بضرورة أن يكون "وسطيا" تارة وأن يكون "سنيا" تارة اخرى، أو أن يكون مع العدالة من خلال الخضوع لطلبات بلمار، أو أن يكون ضد التزامات لبنان الدولية.
إنها مسألة خيارات يجب على ميقاتي أن يحسمها، في وقت يجب فيه على الأطراف المستعدة للمشاركة في الحكومة أن تسهل عملية التشكيل التي تعتبر العامل الأول في المواجهة التي أُعلنت عناوينها، وفيها تطل "إسرائيل" برأسها عسكريا بشكل قوي وبدعم أميركي بات الآن جاهزا، وقد بدأ التحرك من أجله رئيس الحكومة "الإسرائيلية" "بنيامين نتانياهو" من خلال ما أعلن عن زيارته المرتقبة خلال أسبوعبن الى واشنطن، وسط توقعات بـ"صيف ساخن" في محاولة لإعادة خلط الأوراق انطلاقا من لبنان وسورية للإلتفاف على ما يجري في المنطقة.   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار