الحكومة اللبنانية على وقع تطورات المنطقة

الحكومة على وقع تطورات المنطقة
محمد شمس الدين
لم تفلح الجهود المبذولة والاتصالات التي تجري في كل الاتجاهات حتى الآن، في تجاوز العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة. هذا إذا لم نقل إن تلك العقد قد ازدادت بشكل كبير بعد سلسلة التطورات التي حصلت وتحصل في المنطقة. في حين أن معظم الأطراف ولا سيما الاكثرية الجديدة، راحت تسعى الى فصل مسار التشكيل عن تلك التطورات بهدف تركيز «التموضع» لمواجهة ما تقتضيه المرحلة المقبلة التي يبدو أنها ستكون «حامية الوطيس» على غير مستوى.
«التصعيد» الأخير الذي أعقب الاتصالات السياسية بشأن تشكيل الحكومة الأسبوع الماضي بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ووفدي حزب الله والتيار الوطني الحر، يوحي أن الأمور قد عادت الى المربع الأول. اي الى مناقشة «هوية» الحكومة السياسية، بعدما كان ميقاتي «متريثاً» في تحديدها على خلفية طموحه الى مشاركة قوى 14 آذار التي بقيت على موقفها الرافض مشاركته في الحكومة، وبالرغم من «الرهان» على ان «التسوية» في اللحظة الأخيرة هي سيدة كل النزاعات في لبنان.
إن ما زاد من هذا الانطباع كان الكلام الذي اطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في احتفال دعم الثورات على الساحة العربية، فقد أوحى بصورة غير مباشرة بوجود «ملاحظات» أو «تحفظات» لدى الحزب وحلفائه تنصب على أداء الرئيس ميقاتي وسياسته المتبعة في تشكيل الحكومة. لكن السيد الذي تساءل عن التمسك بـ»وسطية» ميقاتي في وقت يعرف فيه هذا الأخير أن هناك أكثرية ما قد جاءت به الى موقع رئاسة الحكومة وكلفته بتشكيلها ما يوجب عليه التصرف على هذا الاساس. كما يشير ذلك الى أن الخلاف في عملية التشكيل المتعثرة لم يعد يقتصر فقط على توزيع الحصص والحقائب بل تعداه الى الجانب السياسي، إذ إن المطلوب هو وضوح الموقف في ظل التصعيد الذي يقوم به الطرف الاخر بإعلان مواقف عدائية من مجمل القضايا الحساسة وفي مقدمتها ما أعلن حول المقاومة والسلاح. وما يجب التوقف عنده في هذا السياق أيضا، هو تعليق السيد نصرالله على حكومة التكنوقراط وسؤاله عما إذا كان الفريق الآخر سيرضى بتشكيل هذا النوع من الحكومات فيما لو استطاع أن يكون هو من سمى رئيساً للحكومة، لتتأكد بذلك «الانتقادات» الموجهة الى الرئيس المكلف، ولو أن السيد عاد وأكد على مواجهة التحدي السياسي لفريقه في تشكيل حكومة برئاسة ميقاتي نفسه في وقت قريب جداً.
لكن السؤال المطروح ينحصر في ما آلت اليه مواقف الرئيس ميقاتي بعد تلويحه اكثر من مرة بامكانية «التنحي» تحت عنوان عدم قدرته على تأمين ما سمي بالمصلحة الوطنية العليا؟، فما هو المقصود بها والى ماذا يرمي من ورائها؟، خصوصاً وأن الحديث بدأ يكثر عن حجم الضغوطات التي يتعرض لها ميقاتي، سواء من الأميركيين مباشرة أو من بعض الدول العربية المعنية بالملف اللبناني، في ظل تسجيل غياب كامل لأي دور سوري ناشط على هذا الصعيد، بعد أن أعلنت سورية أنها لن تتدخل في ملف تشكيل الحكومة لا من قريب ولا من بعيد.
في هذا السياق لا بد من تسجيل بعض الملاحظات:
أولا: ان الضغط السياسي الذي يتعرَّض له ميقاتي قد يؤدي فعلاً الى إعلانه التنحي إذا لم يستطع أن يوفق بين ما تريده الغالبية التي سمته وما تطالب به بعض الدول باسم الأقلية «المعارضة»، حيث تنسجم هذه الطلبات مع المسار السياسي الذي تحاول المملكة العربية السعودية سلوكه بعد خطوة التدخل المباشر في البحرين بشراكة خليجية كاملة ودعم عربي من خلال جامعة الدول العربية ومباركة اميركية ودولية، إذ إن ذلك الموقف إنما هو نابع من الموقف نفسه الذي تتخذه تلك الدول في مواجهة إيران في المنطقة. وفي السياق نفسه، لا بد من الإشارة الى أن تحرك القوات السعودية في إطار قوات درع الجزيرة، هو الأول من نوعه منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981، بعد انتصار الثورة في إيران عام 1979.
ثانيا: الصلة الوثيقة للمملكة العربية السعودية بملف تشكيل الحكومة اللبنانية بعدما فشل فريقها في تنفيذ المشروع الذي اضطلع به منذ الـ2005، وبعد الانتخابات النيابية التي موّلتها السعودية بمئات الملايين من الدولارات في الـ 2009 ولم تستطع من خلال ذلك فرض وصايتها، خصوصا وأن هذا الفريق قد اثبت عدم فاعليته في إدارة الأمور في لبنان سياسيا وإدارياً ومالياً، تحت حجة عدم القدرة على مواجهة السلاح وادعائه أنه موجه الى رؤوسهم.
ثالثا: ما تشكله المملكة بالنسبة الى الرئيس المكلف ميقاتي واهمية أن تكون «كاملة الرضى» عن سياسته المتبعة في رئاسة الحكومة، كما عن أدائه في معالجة الملفات كافة، والتي أصبحت المملكة بعد خطوتها الأخيرة في البحرين متمسكة بها بشكل أشد من السابق، إذ إن التدخل في تلك «الجزيرة» قد يتيح إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة برمتها ورفع عناوين جديدة للتحرك.
رابعاً: ليس من السهل القول بأن مجريات الحوادث الجارية في المنطقة لن يكون لها تأثير على لبنان وملف تشكيل الحكومة فيه، خصوصا التحركات في منطقة الخليج وقرار السعودية بتوسيع دائرة نفوذها المباشر هناك انطلاقا من أن البحرين واليمن يشكلان العمق الإستراتيجي للأمن القومي السعودي، وهذا ما ناقشته المملكة في الاجتماع الأخير لدول مجلس التعاون والذي انتج قرار تخطي قواتها العسكرية حدود المملكة، والتمركز في «الجزيرة» الى أمد غير محدد وقد يطول الى ما لا نهاية تبعا للتطورات المرتقبة. في حين حمل هذا القرار رسالتين واحدة باتجاه الداخل السعودي وما يجري من تحركات في المنطقة الشرقية، واخرى باتجاه إيران وسورية التي أوكلت بنقل رسالة الى الإيرانيين بمضمون تحذيري خطير.
لذلك بات ملف تشكيل الحكومة في لبنان ملفا سياسيا بامتياز بعد الذي جرى ويجري في المنطقة، ويصدق عليه توصيف السيد نصرالله، بأنه من غير الطبيعي ان تتشكل في هذا التوقيت حكومة تتصف بالتكنوقراط. وإذا وجد فيها من هو كذلك لضرورات العلم والخبرة، فلا بد وأن يكون ذا لون سياسي معين، ليدخل هذا الملف في دائرة المجهول الزماني، بالرغم من التأكيد على السرعة في انجازه. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار