تأخير التشكيل.. في خدمة الجميع!


تأخير التشكيل..
في خدمة الجميع!

محمد شمس الدين
بين تأكيد المعلومات المسربة حول قرب إصدار التشكيلة الحكومية وإعلانها وتلك التي تشير الى المراوحة في حلحلة العقد التي تعترض عملية التشكيل، ثمة مسافة شاسعة، لا سيما وان التريث بدأ ينعكس سلبا على أوضاع البلد إن على المستوى السياسي في ظل التطورات السريعة التي تشهدها المنطقة خصوصا في الخليج، وإن على صعيد الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ومتابعة قضايا الناس. الأمر صار يوحي بأن هناك «توافقا» داخليا حول تأجيل بت مسألة الحكومة الى ما بعد اتضاح الصورة على المستوى الإقليمي بعد ما تشهده بعض الدول، الذي سيؤدي حكما الى تغير صورة التحالفات وموازين القوى الإقليمية والتأثيرات الدولية فيها من ناحية أولى، وتأثرها بها من ناحية ثانية.
جميع الأطراف في لبنان يدعون الى التسريع في إنجاز التشكيلة الحكومية ولكن من دون التوصل الى تحقيق ذلك، علما أن الطرف الذي من المفترض انه معطِل لعملية التشكيل قد أصبح خارج اللعبة بعدما أعلن صراحة عن عدم رغبته بالمشاركة في الحكومة العتيدة. فإذا كان من الصحيح ان الأكثرية الجديدة إنما تعطي المهلة الكافية للرئيس المكلف بهدف تسهيل مهمته، فانه من الصحيح ايضا أنها تأخذ وقتها بانتظار وضوح الصورة أيضاُ، ذلك لأن مسألة حكمها واتجاهه مرتبطان ارتباطا وثيقا بما يجري من حولها من أحداث، فهي بالتالي ستكون حكومة سياسية بامتياز وسيكون محتما عليها اتخاذ مواقف من مجمل التطورات الجارية في المنطقة والتي تعد بالغة الحساسية في هذا التوقيت بالذات، حيث يأخذ بعضها بعدا مذهبيا يخشى لبنان من تطوره الى حد يلقي بثقله على الأوضاع الداخلية فيه، في حين أن بعضها الآخر يمس جوهر القضايا التي تضطلع هذه الأكثرية بها في لبنان، حيث انها كانت قد واجهت الحكومات السابقة على اساس الموقف من هذه القضايا وطريقة التعاطي معها.
التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة ولو تسببت به بعض المنازعات حول الحقائب والحصص، إلا انه يوافق على ما يبدو رأي جميع الأطراف المعنية به لاعتبارات استراتيجية، في حين يوافق توجهات «المعارضة» الجديدة التي تنتظر بدورها حسم بعض الأمور على الساحة الإقليمية، كما تنتظر ما سترسو عليه اتجاهات الريح الأميركية التي تحاول مواكبة ما يحصل في المنطقة وتطويعه بما يتناسب مع مصالحها ومصالح فريقها السياسي في لبنان وفي أكثر من بقعة في العالم العربي.
وفي هذا السياق، فإن «المعارضة» الجديدة لا تزال على خط المشاورات، بحسب مصادر واسعة الاطلاع ومواكِبة للقنوات المفتوحة بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي ما تزال فكرة تشكيل الحكومة الجامعة تغريه بقوة، وبين أقطاب قوى الرابع عشر من آذار. واشارت المصادر نفسها الى أن محاولات تشكيل حكومة بمشاركة تلك القوى ما زالت ممكنة بالرغم من كل المواقف الحادة التي أعلنت، وهذا الأمر ليس بعيداً أيضاً عن تفكير الأكثرية الجديدة والتي لا تزال ابوابها مفتوحة على مشاركة الطرف الآخر، ليصبح التأخير الحاصل في التوصل الى صيغة حكومية في خدمة كل هذه الأسباب مجتمعة. إضافة الى أن قناعة جميع الأطراف بأن اي «تسوية» قد يتم التقدم باتجاهها من أجل تشكيل مثل تلك الحكومة، ستوفر عنصر حماية للبنان من أية تداعيات قد تنجم عن المتغيرات والحوادث التي تعصف بالمنطقة.
وتقول المصادر نفسها بأن «المعارضة» الجديدة تناقش فيما بينها مسألة القبول بالمشاركة على قاعدتين، الأولى: أن برنامجها لما بعد احتفال 13 آذار الماضي ليس واضحا، وأن ما يطرح في غرف مناقشاتها المغلقة يمكن أن لا يلقى النجاح المطلوب خصوصا وأن الحشد الذي حضر احتفال الأحد الماضي جاء اقل بكثير من التقديرات التي كانت متوقعة.
الثانية: أن تأتي التطورات السياسية في المنطقة عكس الرياح التي تشتهيها فتصبح عندئذ خارج المعادلة كليا ما سيتسبب بحرج كبير لها وإحباط لقواها الشعبية، الأمر الذي سيزيد من تفككها لمصلحة الطرف الآخر.
يبدو أن لا مخاطر ناجمة عن التأخير، ولو أن الحاجة باتت ملحة لولادة حكومة تتولى المعالجات وتجيب عن الأسئلة المطروحة في الداخل والخارج بغض النظر عن شكلها وعدد وزرائها، خصوصا وأن «مضمون» الحكومة السياسي اصبح واضحا بعدما أعلن الرئيس المكلف أن بيانها الوزاري هو نسخة منقحة عن بيان الحكومة السابقة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار