"الوسطية".. تعيق تشكيل الحكومة


«الوسطية»..
تعيق تشكيل الحكومة
                                                                                  
                                                                                 البناء 31 آذار 2011
محمد شمس الدين
أربعة وستون يوما على التكليف ولا حكومة بعد. ويبدو أيضا أن لا حكومة في الأفق القريب بالرغم من الضغوط التي تمارس من أجل أن تبصر النور والتسريبات المتلاحقة حول المواعيد. لكن هذه الضغوط لا يشعر بها احد سوى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي لوّح منذ أكثر من عشرة ايام بأنه مقبل على تقديم تشكيلة وزارية وصفها بانها تشكيلة «الأمر الواقع»، بينما وصفها غيره بأنها بـ«من حضر». والحقيقة أنه لا فرق بين ما إذا كان ميقاتي ضاغطاً أو مضغوطاً، فإن ما تعيشه البلاد على صعيد تأليف الحكومة لا يمكن وصفه إلا بـ«الأزمة» مهما كانت «روح» المداولات والمناقشات التي تجري لتحقيق هذه الغاية «رياضية».
لم توافق أطراف الغالبية على ما كشفه ميقاتي عن نيته تقديم تشكيلته بالامس، فعاد وتراجع أمام نصحه بعدم الإقدام ليتضح بأن الرئيس المكلف هو نفسه غير مقتنع بهذه الخطوة، ليبدو أن ما طرحه كان مناورة ليس اكثر من اجل الدفع بالاطراف الى القبول بالتصور الذي يضعه للحكومة وهو قائم على ألا يحصل احد على «الثلث + واحداً» في محاولة لتجنب ما يمكن أن ينتج من ذلك من أزمات، ولا سيما في مرحلة ممارسة السلطة حيث يسعى ميقاتي الى تحقيق امرين، الأول: الحد من مواجهة الأقلية النيابية التي انبثقت بعد تكليفه وحلفائها من قوى 14 آذار، والذين امتنعوا عن المشاركة في حكومة يؤلفها هو، كما توعدوه صراحة بإعاقة مسيرته إذا ما نجح في التشكيل. في حين التزم من ناحيته عدم المس بجوهر ما يسعون اليه في ملفين اساسيين هما: المحكمة والسلاح. الثاني: ما التزم به ميقاتي أمام سفراء الدول الكبرى والوفد الأميركي الرفيع المستوى الذي زاره بعيد تكليفه حول الملفين ذاتهما، إضافة الى سماعه نصيحة ألا يشكل حكومة من لون واحد.
المشكلة تكمن في أن الرئيس المكلف إنما التزم خطين متوازيين في الوقت نفسه، وهو يحاول وصلهما عند نقطة معينة. لكن ذلك يبدو مستحيلا بعد جملة المواقف «القاطعة» لقوى 14 آذار، خصوصا تلك التي اعلنها الرئيس المنصرف سعد الحريري تجاه سلاح المقاومة وإعلانه عدم شرعية وجوده بشكل كامل، وبعدما جرى الحديث أخيراً عن ضلوعه وفريقه السياسي ولا سيما «تياره» في الحوادث الأخيرة التي جرت في سورية، ما يزيد من التعقيدات التي يواجهها ميقاتي في محاولة إرضاء هذا الفريق، علماً أن الرئيس المكلف مقرب جداً من سورية التي تعرضت بدورها الى موقف صعب خرجت منه بحكمة قيادتها وقدرتها على المعالجة وسط صخب إقليمي ودولي ما زال ينذر بأعتى العواصف.
ما قُدِّم حتى الآن من تشكيلات وزارية لم يرض أياً من »صقور» الأكثرية الجديدة التي تعمل على ضم كل أطيافها الى الحكومة العتيدة، تحت شعار وحدتها وحق كل مكوناتها في أن تتمثل بحصة معينة ولا سيما المعارضة السنية، حيث يصعب على ميقاتي تلبية هذا المطلب لأنه يشكل القطيعة النهائية مع الفريق الآخر من السنة، عدا عما يشكله ذلك من حسابات خاصة، «سنية» بامتداداتها الإقليمية، و«مناطقية» بحصريتها، ليتضح أن الازمة السياسية المستفحلة ما زالت تلقي بثقلها على تأليف الحكومة في لبنان وانه لا يمكن تجاوزها في ظل الانقسام الحاصل من جهة، والإصرار على التوافق من جهة ثانية.
لقد أصبحت «الوسطية» هي المعطل الحقيقي لتشكيل الحكومة حيث لا مكان للتسويات، لا على المستوى المحلي ولا على المستويين الدولي أو الإقليمي وتحديدا العربي المشتعل منذ ما يقارب الشهرين دون أن ترتسم ملامح واضحة لأفق التغييرات التي حصلت في بعض الدول العربية، في حين أن ما زاد الأمور تعقيدا هو أحداث سورية التي ثبت أن وراءها تحريكاً خارجيا يهدف الى تقويض الدولة بالأسس التي تقوم عليها، وهو استكمال للحرب الشرسة التي تشن على سورية منذ أن تبنت بشكل جلي خيار المقاومة ودعمته بعيدا من التسويات والالتزامات، كما بعيدا من صيغ «الوسطية» أو المحاباة. وما الجهد الذي تبذله جهات عربية وغربية منذ وقف الأعمال العسكرية في الحرب «الإسرائيلية» في العام 2006 على لبنان، إلا استكمال لتلك الحرب بوجه سياسي يهدف الى منع القوى المنتصرة من تحقيق أو تثبيت انتصارها، بدءاً من الدائرة الصغرى على مستوى الحكومة اللبنانية وصولا الى التحالفات الاستراتيجية القائمة في المنطقة والداعمة لخيار المقاومة في لبنان وفلسطين.
في ظل هذه الأجواء فإن تشكيل الحكومة لن ينجح ما لم يؤخذ في الاعتبار أن هناك فريقاً منتصرا وفريقاً مهزوماً. في حين لا يصح الإبقاء على حالة التخفي وراء الإصبع، الأمر الذي يدفع ثمنه اللبنانيون جميعاً ومن كل الفئات ممن هم مع «المنتصر» أو مع «المنهزم». وعليه فإن تراجع الرئيس ميقاتي عن تقديم الصيغة التي كان قد حضّرها ولوّح بها لم يكن بسبب النصيحة التي اسديت له من قبل من التقاهم من حزب الله أو من حركة أمل فقط، وإنما من التطورات التي حصلت في الايام القليلة الماضية في سورية وما أعقبها من استقالة للحكومة السورية التي من المفترض ان تكون ولادتها الجديدة سابقة لولادة الحكومة اللبنانية نظراً الى ارتباط المسارين في القضايا الاستراتيجية موضوع الخلاف الحقيقي، والتي تمحور حولها خطاب الرئيس بشار الأسد بالأمس.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار