ما زال الرهان على سوريا.. مبكراً!

ما زال الرهان
على سوريا.. مبكرا!
http://www.elnashra.com/articles-1-26702.html  البناء 28 آذار 2011
محمد شمس الدين
استمرار الاحتجاجات في سوريا بعد إعلان الرئاسة السورية عن حزمة الإصلاحات الهامة على المستويين الإقتصادي والإداري والبدء الفوري بتنفيذها، يطرح العديد من علامات الاستفهام حول دوافع المحتجين لا سيما بعد بروز اكثر من إشارة الى أن هناك جهات خارجية إنما تقف وراءهم بهدف الإجهاز على الدولة في سوريا خدمة لمشروع سياسي طالما حلمت به "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية وحاولتا تنفيذه عدة مرات، لكنهما سرعان ما اصطدمتا بعوائق كبيرة أهمها تآلف الدولة والشعب في سوريا تحت راية الممانعة وصولا الى المقاومة والمواجهة مع المشاريع التي فرضت على كل أنظمة المنطقة العربية.
تبدأ تلك الإشارات من الطريقة التي تتعاطى فيها وسائل الإعلام لا سيما الفضائيات منها مع الحدث في سوريا، حيث سارعت الى توصيف ما يجري على أنه عملية تغيير كاملة كما جرى في مصر وتونس وما يجري حاليا في ليبيا، وصولا الى درجة التحريض على الاستمرار بعمليات الشغب وعدم الاكتفاء بما تم إقراره من إصلاحات، علما أن الإعلان عنها قد تضمن التصريح بوضوح الى حزمة أخرى من الإصلاحات لن يطول زمن إقرارها، في حين أن بعض الدول قد اتخذت مواقف تحذيرية "مستعجلة" وفق قراءة لا شك بأنها خاطئة، بَنَتْ فيها على تجربة تونس ومصر متجاوزة الحيثيات الدقيقة التي تحيط بتركيبة الوضع في سورية، وتقاطعها مع حيثيات سياسية وجغرافية لم تتوفر في بلدان الشمال الإفريقي "الثائر" حتى إشعار آخر. فلم تكتف فرنسا بورطتها الحالية في ليبيا والتي بدأت بالتفتيش باكرا عن مخرج لها هناك، حتى اطلق رئيسها نيكولا ساركوزي تحذيراته الى سوريا محيييا بذلك سياسة سلفه جاك شيراك الذي صاغ القرار الدولي الـرقم 1559 في محاولة لإحداث إنقلاب سياسي في سوريا وفشل.
من تلك الإشارات ايضا، ما بدأ الترويج له في بعض الصحف العربية وخصوصا الكويتية منها، عن أن الرئيس السوري قد بدأ بتوزيع التنازلات يمنة ويسرى كتقديم اقتراح الى السعودية حول لبنان من خلال إعادة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، والايعاز لحلفاء سوريا في لبنان بالتخلي عن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، كما وضعت التأييد السوري لدول مجلس التعاون الخليجي بإدخال قوات "درع الجزيرة" الى البحرين في هذا السياق، في عملية شبيهة بتلك التي تبناها بعض الصحافة الكويتية أيضاً للترويج بأن سوريا هي التي تقف وراء اغتيال الرئيس رفيق الحريري من خلال تبني ادعاءات المزوِّر زهير الصديق في خضم عمل لجنة التحقيق الدولية في لبنان.
لكن الإشارة الأساسية على التدخل الخارجي في تحريك الوضع في سورية، هو ما أعلنته هذه الأخيرة على لسان المستشارة بثينة شعبان" بأن سوريا مستهدفة بالفتنة الطائفية أو المذهبية"، وأن هناك دلائل على هذا الاستهداف لتكتمل صورة هذا التدخل وانكشاف المشروع، الذي لبس هذه المرة لبوس "حرية التعبير" و"حقوق الإنسان"، وذلك انسجاما مع الشعارات التي لاقت رواجا في بلدان عربية اخرى وحققت نتائج كانت على الأرجح "غير متوقعة" لمن بثها، لكن المحاولة بالنسبة اليهم غير محرمة وليس فيها اية خسارة.
إذن هناك خط فاصل بين المطالب المحقة للشعب السوري والتي اعترفت فيها الدولة وهي بدأت فعلا بتلبيتها، وما تحاول بعض الجماعات تحقيقه تحت شعارات مطلبية، الأمر الذي سيواجه بحزم من قبل السلطات المولجة حفظ الأمن وحماية الاستراتيجيات السياسية للدولة، والتي من غير المسموح المس بها لأن ما قُدم في سبيلها هو اكبر واسمى من كل الشؤون المطلبية على الرغم من احقيتها.
إنها الحرب على سوريا. حرب غير مرهقة البتة، فهي لا تكلف "إسرائيل" ولا الولايات المتحدة أي شيئ، لا دولارا ولا جنديا "أصليا" واحدا، ولا بأس بـ"جنود" مزيفين تتم مساعدتهم للحصول على ما يطمحون اليه من الفتات. هذا ما يحصل في سوريا، صراع كبير بأدوات صغيرة إنها الحرب "الذكية" أو "الحديثة" التي تصنعها المواقع الإلكترونية بشعاراتها الرنانة واسلوبها السلس. لكن الرهانات وضعت باكرا دون أن يكلف المراهن نفسه عناء إجراء بعض الحسابات التي تُظهر بأن لا تطابق "بين الحقل والبيدر". فالأوراق التي تمسك بها سوريا لم تلعب منها حتى الآن أية ورقة لا في الداخل ولا في المنطقة. علما أن الدولة في سوريا تتعاطى مع المسألة على أنها مطلبية محقة، وهي اعترفت بذلك وبدأت بتصحيح الوضع على هذا الاساس، كما أنها تسعى الى تصحيح بعض الخلل الذي حصل في مواجهات الشارع بين القوى الأمنية والمتظاهرين في بعض المناطق من خلال استيعاب حركته ولو كلفها ذلك غاليا حرصا على عدم توفير الفرصة للمتربصين بالنفاذ الى تحقيق أمانيهم.
لسوريا ودورها جمهور واسع في الداخل كما في الخارج لم يقل كلمته بعد، وهو يتماهى معها من أجل قضايا يُطلب رأس سوريا من اجلها، وذلك عكس ما حصل في تونس ومصر وليبيا تماما، والتي لم يؤازر أنظمتها الغارقة في الفساد والعمالة حتى أذنيها أحد، لا من شعوبها ولا من أصدقائها، في وقت  تخلى عنها الحلفاء عند اول المنعطفات عندما انتهى دورها واصبحت هرمة.
   
    

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار