أكيد "مش ماشي الحال"
أكيد "مش ماشي الحال"
البناء 3 آذار 2011
محمد شمس الدين
إعلان قوى 14 آذار الصريح عن عدم مشاركتها في الحكومة العتيدة، وما أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في خطابه "الناري" حول السلاح واعتباره مشكلة لبنان الحقيقية، يؤشران الى بداية مرحلة جديدة في الخلاف السياسي في لبنان، كما يكشفان بشكل سافر عن الأهداف الرئيسية لكل الحكومات التي شكلها هذا الفريق منذ 2005 وحتى ساعة خروجهم المدوي من السلطة، الأمر الذي دفع بالحريري وفريقه السياسي "الخاص" و"العام" الى التصريح بأن اسقاط السلاح هو ما يسعون وراءه، ففتحوا معركته بسحب "شرعيتهم" عنه. وهذا التصريح هو الوحيد الذي من الممكن أن يوفر استمرار الدعم الدولي لهم باعتباره الهدف الذي تأسست عليه كل الفبركات من شهود الزور وصولا الى المحكمة الدولية، التي يبدو أن الحريري والجهات الدولية المستفيدة وجدوا فيها أداة غير كافية لاستمرار الهجوم على حزب الله والمقاومة بعد فشل الحرب العسكرية الإسرائيلية في 2006.
موقف 14 آذار من المشاركة والحملة على السلاح لم يأتيا من فراغ، فقد شكلا محور محادثات الوفد الأميركي الذي زار بيروت الشهر الماضي وسط المتغيرات التي تحصل في المنطقة، في حين شكلت طروحاته على قيادات قوى 14 آذار مفاجأة لها عندما نصحهم بعدم المشاركة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لاعتبارات تتعلق بما يسعى الأميركيون الى تنفيذه في المنطقة على ضوء ما يجري فيها، وبعد محاولات استيعابه إثر بدء الأحداث في تونس في كانون الأول الماضي.
لا شك بأن الأميركيين يريدون من خلال ذلك تعطيل تشكيل الحكومة وإدخال البلد في فراغ طويل الى حين تبلور الأوضاع على الساحة الإقليمية بعدما دخلت في الفوضى، من دون أن تحسم اتجاهاتها المستقبلية. وهذا من شأنه أن يبقي لبنان في حالة الشلل، إذ أن حسم الأوضاع في غير منطقة عربية سيشكل دليلا لاتجاهات الأوضاع في كل من لبنان وسورية، حيث تكثر المراهنات على تحويل لبنان الى نقطة انطلاق لـ"ربيع دمشقي"، في إشارة الى وصول حركات الاحتجاج المتنقلة الى سورية عبر البوابة اللبنانية، وهو الأمر الذي تسعى اليه الولايات المتحدة و"إسرائيل" منذ زمن وشكل محطة من محطات المشروع الأميركي في المنطقة والذي يعرف بـ"الشرق الأوسط الجديد".
إن موقف قوى 14 آذار من الحكومة واستتباعا من السلاح، إنما يفرض إعادة صياغة الموقف من هذا الفريق الذي يرفع الآن شعارات تخدم مباشرة العدو "الإسرائيلي"، ما يسقط شرعيته في ممارسة السلطة اصلا. وفي هذا السياق فإن تشكيل الحكومة يصبح أمراً ملحاً من أجل مواجهة هذه الطروحات بعد أن نقل الحريري معركة "إسرائيل" ضد المقاومة وسلاحها الى الداخل "مجاناً"، وهو لا ينفك يتوعد بتعطيل الدولة وصولا الى العصيان دون أن يكون له في ذلك اي مرتكز حقيقي، إلا إذا كان حصل من الأميركيين على ضمانات بالدعم وصولا الى حد التدخل، وذلك من أجل إعادة خلط الأوراق من جديد انسجاما مع الحراك القائم على الساحة العربية ضمن "عملية فوضى"، واضح جداً أنها "منظمة" بشكل كبير. فالمساعدة الأميركية لا تستثني تدخلا "إسرائيلياً" في هذه اللحظة الحرجة، مع كل التحفظ على ما إذا كانت "إسرائيل" على استعداد للدخول في مغامرة جديدة في لبنان، وبالتالي حصد رد الفعل الذي سيتجاوز هذه المرة الحدود اللبنانية انطلاقا من الفرز السائد في المنطقة.
الرد على موقف الحريري من الحكومة والسلاح يجب ان يبدأ من تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، وتجاوز العقبات الموجودة في طريق تشكيلها، وهي تصبح تفصيلية وبسيطة قياسا بمفترق الطرق الخطير الذي وضعه زعيم الأقلية النيابية الجديدة أمام لبنان. في حين أن على الرئيس الممكلف أن يعي المخاطر المنتظرة من ذلك الموقف، وهذا من شأنه أن يساعده على حسم خيارات كان ما زال مترددا حيالها لا سيما لجهة تشكيل الحكومة بما يتناسب مع حاجة البلد بمعزل عن عقدة تسميتها بحكومة "اللون الواحد"، لأن موقف الحريري وفريقه السياسي يتجاوز في هذه اللحظة مسألة تشكيل حكومة أو المشاركة فيها الى ما يمس البعد الإستراتيجي للدولة وللبنان ككيان بعد الحروب التي خاضها في وجه "إسرائيل" ومحاولاتها القضاء على مقاومته لتطويعه واستباحته.
خطاب الحريري حول السلاح كرس الإنقسام في لبنان على أسس سياسية واضحة لا لبس فيها، وبيّن أنه فعلا "مش ماشي الحال". فإذا كان السقوط من على صهوة جواد الحكومة دفع بالحريري الى "تبني" هذا الموقف الخطير، فإنه بالتالي قد أقفل الباب نهائيا على رجوعه اليها، كما فرض على الطرف الآخر أن يجعل من الحكومة نقطة انطلاق المواجهة، بعدما كان أعطى الفرصة كاملة لإعادة تشكيل حكومة وحدة جامعة عمل عليها الرئيس ميقاتي منذ لحظة تكليفه، لتكون الخطوات اللاحقة تبعاً لما تخطوه قوى 14 آذار في الشارع بعدما تعدوا على الحرمات السياسية والوطنية.
تعليقات