ما بين الحريري.. وبن نايف والمملكة

ما بين الحريري.. وبن نايف والمملكة
  البناء 10 آذار 2011
محمد شمس الدين
عاد الحريري من السعودية بخفي حنين. فهو لم يستطع الحصول على فرصة للقاء الملك العائد من استشفاء طالت مدته، كما لم يستطع حل الأزمة المالية التي تتعرض لها شركته السعودية وشريكاتها في المملكة وخارجها، إضافة الى الضغوطات الضخمة التي وصلت الى حد فتح ملفات الاختلاس الذي تمارسه منذ عقود، أحيانا بعلم السعوديين بهدف الدعم وعلى قاعدة الكرم الملكي، وأحيانا أخرى بالخفية عنهم. والسبب طمع تلك الشركات بزيادة هامش الربح غير المشروع.
لكن زيارة الحريري التي سعت الى تحقيق اكثر من هدف عشية الاحتفال بذكرى 14 آذار في 13 منه، لم تلق الترحيب، الأمر الذي كان الحريري يتوقعه قبل سفره. فهو كان منذ الأزمة التي نشأت بينه وبين الأمير محمد بن نايف إثر كلامه المسرب عنه أمام لجنة التحقيق الدولية، دائم القلق ومهتم بشكل "موتور" باستطلاع المزاج السعودي باتجاهه. في حين لم تتوقف الوساطات التي نشطت على خط احتواء الأزمة مع بن نايف، لكنها لم تفلح في محو الإساءة التي وجهها الحريري إليه. وفي هذا السياق تقول مصادر مقربة من الحريري إن ما دفع بزعيم تيار "المستقبل" مكرها الى السفر الى المملكة هو بلوغ الحملة عليه حدها الأقصى عبر طرح قضايا شركاته في السعودية "تلميحا" من على منابر خطباء الجمعة هناك، إضافة الى حاجته الملحة لغطاء سياسي لمضمون الخطاب الذي القاه حول السلاح والمقاومة، والذي لم توحي المملكة السعودية حتى الآن بتبنيها له، ما وضعه في موقف حرج جداً وكشف عن ارتباطات له بعيدة عما كانت السعودية تسعى الى تحقيقه مع سورية من خلال ما عرف بالـ"س- س"، من أجل تجنيب لبنان ما يمكن أن ينتج من تداعيات عن مثل الموقف الذي اتخذه الحريري من السلاح، والذي مس بقضية جوهرية تعرف المملكة مدى تأثيرها على مستقبل مجريات الأمور خصوصا وأنها تحاكي توجهات عدوة بالكامل.
تشير المصادر الى أن تلك الارتباطات التي تتساءل السعودية حولها ايضاً، مقرونة بالسؤال عن المرتكز الذي يرتكز اليه الحريري في إعلاء سقف تصريحاته الى هذا المستوى، قد فتح الباب أمام تفسير الموقف والآداء اللذين مارسهما الحريري قبيل اعتذار الملك عبدالله بن عبد العزيز من الرئيس بشار الأسد بسبب عدم قدرته على متابعة مسعى الـ"س- س" معه لأن دونه عقبات كثيرة، ابرزها كان عدم قناعة "أصحاب الشأن" به والمقصود هنا الحريري. علما أنه من المعروف أن زعيم "المستقبل" لم يسر بهذا الاتفاق - بعد أن كان وافق عليه ولو بشروط لم تتم الاستجابة اليها - نتيجة استجابته لطلبات أميركية و"إسرائيلية"  وأخرى سعودية تدور في نفس الفلك، في مواجهة إرادة الملك الذي كان جاداً في الوصول الى حلول تقي لبنان شرور الفتنة التي تحاك ضده.
مشكلات الحريري في السعودية قد بلغت حداً كبيرا على أكثر من صعيد لا سيما على الصعيد السياسي، بعد أن أثبت الحريري بأدائه منذ خمس سنوات فشله في الإدارة السياسية قبل تسلمه مقاليد السلطة في لبنان وبعدها، والتي لم يكن فيها بفعل "حنكته" أو عقله الراجح بحسب المصادر نفسها، بل كانت نتيجة لضغوطات هائلة مارسها العالم بأسره من اجل وصوله اليها. في حين أنه لم يستطع المحافظة على "صيته" في عالم الأعمال بعد أنكشاف أن شركاته التي تعمل في السعودية إنما ترسي عليها الالتزامات في مقابل دفع الرشى، عدا عن عمليات إعادة التلزيم التي تقوم بها وينتج عنها مستوى أقل في التنفيذ، ليطرح السؤال في السعودية عن مدى أهمية استمرار الحريري في زعامة موروثة لم يكن أهلا لها، إضافة الى نهجه التحريضي الذي لم ينجح يوما في لبنان لا قبل اغتيال الحريري الأب ولا بعده، ليصبح الإبن زعيما لـ"شرذمة" من الناس قد تقضي بتصرفاتها على كل ما بناه أهله في هذا البلد حتى الآن.
تحاول ماكينة الحريري السياسية والإعلامية تصوير أن الرياض تدعم الموقف أو المواقف التي يتخذها لا سيما حيال السلاح ناهيك عن "المعارضة" والحكومة العتيدة، كجزء من رهانه على أن المملكة ستسير في ركب ما يعلنه طبعاُ، مستنداً بذلك على رياح التغيير التي تعم المنطقة ويحاول الأميركيون ركوب موجتها وتوجيهها في الاتجاه المناسب الذي يتوافق مع مصالحهم وبرنامجهم، ومنها التأثير في قرارات ملك المملكة وإدارته السياسية في البلاد، والتي اصبحت بلا شك في مواجهة نهج آخر تدعمه الإدارة الأميركية ويراهن عليه الحريري أكثر من رهانه على الملك، ما يوفر هناك في المملكة مساحة لمن يفتح الملفات "النتنة" للحريري الواحد تلو الآخر، وعلى رأس هؤلاء الأمير محمد بن نايف الذي على ما يبدو لم يحصد مقابل دعمه لآل الحريري إلا الإساءة اليه.
يقول مراقبون عن كثب لمواقف الحريري الأخيرة وزيارته الى السعودية، بأن عقبات كثيرة تحول دون عودة الأخير الى سابق عهده داخل المملكة، وأن بعض الأخيار في السعودية نصحوه بتصحيح المسار بما يوثق علاقته بالملك وحاشيته القريبة، لا سيما وأنهم من يمثل المملكة تمثيلا شرعيا وهم الأحق باختيار السياسة المناسبة لها. وعليه فإن ما يريده الملك من الحريري حاليا عدا عن إعادة صياغة علاقته مع من أخطأ بحقهم داخل المملكة أن يعود لـ"دوزنة" خطابه في لبنان، بما يتوافق مع صيغ التعايش والابتعاد عن كل انواع الفتن، مشيرة الى أن بداية ذلك قد تكون من مضمون الخطابات التي ستلقى في مناسبة 14 آذار، والنظر الى ما إذا كانت ستخفف اللهجة في اللحظة الأخيرة قبل "وقوع الفأس في الرأس".
ويشير المراقبون أنفسهم الى أن إعادة ترتيب الأوراق بين السعودية والحريري لن تعيده الى رئاسة الحكومة على الأقل في المدى المنظور، حيث تولي الممكلة اهمية لتولي الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة، وتطمح أن يستطيع إعادة التوازن الى الدور السعودي في لبنان ومع سورية بعد أن تراجع بأداء الحريري.. فهل من شأن ذلك المساعدة في تشكيل الحكومة وإعادة إطلاق مسعى الـ "س – س" من حيث توقف؟.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار