مسار «التأليف» على وقع المشهد المصري
مسار «التأليف» على وقع المشهد المصري
البناء 31 كانون الثاني 2011
محمد شمس الدين
ملامح التغيير البادية على شكل النظام في مصر، من خلال التحرك الشعبي الواسع ضد نظام الرئيس حسني مبارك، لا يمكن استبعاد تأثيراته المهمة جداً على صعيد الوضع في لبنان، لا سيما وأن مصر تشكل بوصلة العالم العربي برمته، إن لم نقل أن شكل الشرق الأوسط الجديد سترسم معالمه المستقبلية، من ساحة التحرير في وسط العاصمة المصرية «القاهرة».
لكن هذا الشرق الأوسط سيكون مختلفاً عما رسمته إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، بعد الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، لأن حجم التأثير الذي يحاول الأميركيون ممارسته في إدارة «الثورة» المصرية ربما لن يكون مردوده بالقدر الذي يريدونه، إذ أن فعالية المكونات السياسية للمجتمع المصري، قد اصبحت متقدمة في تحديد الوجهة التي سيسير باتجاهها هذا البلد، لا سيما في القضايا المصيرية وقضية الصراع العربي – «الإسرائيلي» التي يخشى عليها من أي تحول قد يطيح بمشاريع الاتفاقيات المعقودة بين مصر و»إسرائيل» منذ 1973، وما بني على اساسها من مشاريع للتسوية، ولو لم يفلح منه شيئ حتى الآن. فالمحاولات الأميركية لتطويق الأحداث على الساحة المصرية، تظهر جلية من خلال ما تعكسه التصريحات الصادرة من واشنطن، حول ضرورة بدء إصلاحات سياسية واقتصادية جدية، وهو التعبير الدبلوماسي عن الرغبة الأميركية في تنحية الرئيس المصري عن مهامه وفق رؤية تقضي بمقابلة مطالب الناس، في منتصف الطريق، كجزء من خطة الالتفاف على التحرك الذي يبدو أن الأميركيين قرأوا أنه تجاوز حدود قدرة مبارك في السيطرة عليه، حتى لو سالت الدماء في الشوارع.
ما تخشاه الولايات المتحدة الأميركية الآن، هو عدم نجاح خطوة تولي شخصيات عسكرية موثوقة في المجتمع المصري إدارة البلاد من خلال حكومة جديدة، لأنه ليس واضحا ما سترسو عليه الأمور في المرحلة المقبلة، وسط الضغوطات التي تمارسها الأحزاب السياسية والشخصيات المصرية الوازنة في المجتمع، باتجاه إحداث تغيير جذري ستكون له انعكاساته الكبيرة على السياسة الخارجية وقضايا الصراع الأساسية، ما قد لا يتناسب مع طموحات دول عديدة في المنطقة، ويفقد الأميركيين تحديدا قدرتهم على إدارة اللعبة، في ظل توازنات جديدة ستفرزها حتماً الأحداث الجارية في مصر. فالمعروف أن الشعب المصري لم يطبع العلاقات مع «إسرائيل» بالرغم من تطبيعها سياسيا بعد اكثر من ثلاثين عاما على توقيع اتفاقية «كامب ديفيد»، ما يظهر الخلاف الاستراتيجي بين ما تفرضه الضرورات على الأنظمة وما تؤمن به الشعوب من خيارات، ليس من حق احد سلبها إياها، الأمر الذي يجب على اي نظام جديد سيولد في مصر مراعاته في الحد الأقصى، إذا ما اراد أن يستقر داخلياً على الأقل.
لعل من الجائز القول إن ما يحدث في مصر، يشكل نقطة تحول في التعاطي مع الكثير من القضايا الشائكة التي تعاني منها المنطقة، وفي طليعتها المسألة الفلسطينية وما يتصل بها من قضايا الانقسام الفلسطيني، والطريقة التي تعاطت فيها القاهرة مع هذا الانقسام، فرجحت فيه كفة فريق على فريق، لمصلحة ارتباطاتها مع «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية، انطلاقاً من نظام المصالح المتبادلة، لا سيما في مسألة حفظ رأس النظام المصري في السلطة، الذي بات على قاب قوسين أو أدنى من السقوط، لتسقط معه كل المعادلات التي كان يقيمها، ما يفتح المجال أمام تقدم المشاريع المضادة، وفي مقدمتها «مشروع المقاومة» الذي هو في صلب قناعات المجتمع المصري، والذي يقوم احترامه لجيشه وتصالحه معه على قاعدة أنه انتصر في حرب 1973، إضافة الى أنه بقي بعيدأ بشكل تام عن الفساد، الذي أكل الأخضر واليابس.
لن يكون بالإمكان فصل تقدم «مشروع المقاومة» في مصر عنه في أي مكان في المنطقة، لا سيما في لبنان الذي قدم نموذجاً كاد أن يصدّر في لحظة ما الى المحيط العربي، وخصوصا الى أرض «الفراعنة» التي تفاعل مجتمعها بشكل كبير مع ما فعلته تلك المقاومة في تصديها للحرب «الإسرائيلية» على لبنان في 2006، إلا أن الأجواء التي خلقتها الأنظمة للتفريق بين مكونات العالمين العربي والإسلامي في المستويين الطائفي والمذهبي، قد حالا دون اكتمال هذا التفاعل. وفي هذا السياق فإنه لن يكون بالإمكان النأي بما يجري على الساحة اللبنانية عن المشهد المصري الحالي والمتوقع. فمثلما كان للنظام في مصر مساهمته الكبرى في صياغة مشروع «الأكثرية» السابقة، منذ اغتيال رفيق الحريري وما تلاه من حرب إسرائيلية على لبنان ومقاومته، فإنه من الطبيعي أن يكون لخيارات الأمة المصرية وحراكها الأخير والمرشح للتصاعد، تأثير ملموس في الصياغة «السياسية» للحكومة اللبنانية التي سيشكلها رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، والتي من الممكن أن تتأخر الى ما بعد اكتمال الصورة في أرض الكنانة.
تعليقات