"اللبننة" تستوجب الحسم؟!
"اللبننة" تستوجب الحسم؟!
البناء 13 كانون الثاني 2011
محمد شمس الدين
الأفق المسدود الذي وصلت اليه المساعي السعودية - السورية لحل الأزمة في لبنان، قد أُبقِي على ثغرة فيه يمكن توسيعها بالقدر الذي يشاؤه أصحابه، فتُركت الأمور للبنانيين ليقرروا حيالها ما يرونه مناسباً. ولعل ذلك هو أفضل من صياغة حلول من الخارج ولو كان "صديقاً". فالجهود التي بذلت من قبل الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد لا شك في أنها كانت جدية جداً، وكانت قد بدأت تؤتي ثمارها نتيجة اقتناع الملك تحديداً بالرؤية السورية للحل الذي يجب أن يكون على حساب المحكمة الدولية لا على حساب اللبنانيين، بعد سلسلة من التدخلات الأميركية والفرنسية التي جعلت من لبنان ساحة للتجاذب الدولي مع إيران وسورية من جهة، ووسيلة للضغط على حزب الله للدخول في تسوية لم تستطع الحروب "الإسرائيلية" عليه إدخاله فيها من جهة ثانية.
هذه النتيجة ليست سيئة خصوصا اذا ما كان الهدف منها لبننة الحل، بل هي تندرج ضمن الحسابات التي بنت المعارضة استراتيجيتها على اساسها، وهي كانت تنتظر فقط ما ستؤول اليه تلك المساعي، لكنها كانت متخوفة دوما من أن تنجح الضغوطات على الملك على وجه الخصوص ويتراجع عن موافقته على كسر "السيف" الوحيد المتبقي بيد الولايات المتحدة لإدارة اللعبة في لبنان، وبالتالي الإبقاء على الحد الأقصى من التحكم بالملفات العالقة المرتبطة بها في المنطقة، من أفغانستان الى العراق الى المفاوضات الفلسطينيىة – "الإسرائيلية" ضمن ما يسمى بمشروع السلام "الإسرائيلي" – الفلسطيني. وفي حال انكسر هذا "السيف" فإن ذلك سيشكل مدخلا لكثير من التغييرات على امتداد المنطقة، فالولايات المتحدة تعلم جيدا ماذا تعني خسارة "إسرائيل" لحربها ضد المقاومة في لبنان وانعكاس ذلك على نظرية التفوق "الإسرائيلية" التي طالما اعتمدت عليها لتطويع كل عواصم المنطقة لإرادتها السياسية ومن ثم الإقتصادية، كما تعلم بالمقابل ماذا يعني ذلك في الصراع الدائر بينها وبين الجمهورية الإسلامية في إيران.
واستطراداً فإن مخاوف المعارضة من إخضاع الملك قد صحت. فهي كانت "دعت الله أن يسدده ويبقيه حياً" الى حين إنجاز "التسوية". في حين تهامست وتساءلت سراً بشكل دائم حول استمرار بقائه في الولايات المتحدة في تلك الفترة العلاجية الطويلة، والتي تحدث حولها بعض الأطباء بأنها ليست طبيعية ارتباطا بطبيعة المرض الذي أعلن عنه، والمدة الزمنية التي يحتاجها في النقاهة، ليصبح الاستنتاج مشروعاً بأن الملك كان في شبه "إقامة جبرية" في نيويورك بهدف إنضاج موقف يحفظ ما تبقى من انجازات المشروع الأميركي – الإسرائيلي في لبنان وخلاصته المحكمة الدولية الخاصة.
"لبننة الحل" هي في الأساس نظرية طرحتها المعارضة منذ اغتيال رفيق الحريري، وهي تحفظت على تدويل هذه القضية بغض النظر عن الإلتباسات القانونية التي شابتها في مرحلة تشكيل المحكمة، وبالتالي فإن خريطة طريق اللبننة قد وضعت مسبقاً، وهي لحظت جملة من الخطوات بانت أولاها في التحرك الذي قامت به على مستوى الحكومة، من خلال طلب الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء إيذانا بانتهاء فترة السماح وبحث تداعيات نتائج المسعى السعودي – السوري، والبدء بسلوك طريق اللبننة بعيداً عن الوساطات والملاطفات وليتحمل كل فريق مسؤولية قراراته وآدائه.
لن يكون التعبير إلا بالطرق الديموقراطية حسبما يقول مرجع في المعارضة، والذي لم يخف مخاوفه من تعنت البعض واستمرار رهانه وارتباطه بالمشاريع الدولية، مشيراً الى أن "إسرائيل" عادت تطل برأسها من جديد من خلال ما ظهر من تجدد الحلف الفرنسي – الأميركي، في صورة مشابهة لتلك التي برزت إبان زمن بوش – شيراك. في حين تبدو بريطانيا بعيدة هذه المرة عن التحالف الحربي الذي غطى معظم الحروب على المنطقة وآخرها كانت حرب العام 2006 على لبنان.
أما فيما يتعلق بالطرف الآخر أي الحريري وحلفائه، فإن السؤال المطروح يدور حول قدرتهم على "اللبننة" ومدى انفصالهم بشكل فعلي عما يراد منهم تنفيذه؟، وما هو المشروع الذي سيعتمدونه بعدما اصروا على التدويل؟، وهو ما أذعنوا له عندما استجابوا لرغبة أوباما – ساركوزي في اجتماعهما الأخير والذي صدر عنه من الناحية العملية نعي المسعى السعودي – السوري.
"اللبننة" تستوجب "الحسم" في ظل انعدام التوافق على مشتركات، فالطرف القادر عليه قد فوّت ثلاثة فرص سابقا.. فهل تكون "الرابعة فالتة".
تعليقات