دولة المعارضة
دولة المعارضة
البناء 23 كانون الثاني 2011
محمد شمس الدين
مهما يكن من أمر الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية ميشال سليمان اليوم وغداً، أو حتى إذا تم تأجيلها بناء لطلب التريث من قبل بعض الأصدقاء في الخارج أو بناء لمقتضيات «المناصفة في التوافق»، فإن الأمور يجب ألا تتراجع عن «الحسم الديموقراطي» في تولي السلطة من لون واحد إذا رفض الشركاء المشاركة. كما يجب عدم تغيير الاتجاه في اعتماد برنامج عمل للحكومة العتيدة يقوم على منع التدخلات الأجنبية من القرار الداخلي ورفع وصاية المحكمة الدولية عن لبنان.
فبالرغم من الأجواء المحمومة والقلقة التي تُفرض على البلد، بهدف شحن الشارع، إلا أن ما يطالب به الجميع من الفريقين، هو أن يترسمل من يحصل على الأكثرية النيابية لتشكيل الحكومة ببرنامج عمل كامل، يتحمل مسؤوليته الى النهاية. فما تريده المعارضة هو حكومة قوية تستطيع الوقوف في وجه ما يمكن أن يعرض البلد لمخاطر الإنزلاق في منزلقات المشاريع المشبوهة، التي تحاول «إسرائيل» تحقيقها من خلال بعض الدول العربية والغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية. فالمطلوب ممن سيحصل على السلطة أن يقوم الاعوجاج الحاصل في إدارة البلاد على المستويات كافة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وحتى ثقافيا، للتمكن من تحقيق حالة الاندماج الكامل في المجتمع، بعدما تعرض للكثير من التشوهات بفعل الاستغلال السياسي والطائفي والمذهبي.
ما ستقوم به المعارضة، في حال وصلت الى السلطة وهو الأمر المرجّح، هو الشروع في تطبيق ما نصت عليه التسوية التي توصل اليها المسعى السعودي – السوري لناحية المحكمة الدولية، أي الغاء بروتوكول التعاون الموقع بين حكومة الرئيس فؤاد السنيورة اللبنانية مع المحكمة، ووقف التمويل، إضافة الى سحب القضاة اللبنانيين منها، وهو ما وافق عليه الحريري من خلال ورقته التي قدمها الى السوريين والسعوديين أثناء إعدادهم بنود التسوية، والتي تضمنت أيضا في المقابل «ثمنا كبيرا» يصب في مصلحته وملخصه بأنه وضع كل السلطة والحكومة مقابل المحكمة. غير أن انسحابه من التسوية وانكاره لما كان قد سبق وطالب به سيجعله خاسراً للأمرين معا. فبإسقاط المحكمة الدولية يكون قد سقط المشروع السياسي للفريق المتمسك بها، ولعل ذلك هو الهدف السياسي الوحيد لحكومة المعارضة، إذ إن تحقيق ذلك الهدف ستكون له استتباعات تلقائية لا تحتاج الى جهود جبارة، لتحقيقها.
لكن ما تتطلع اليه حكومة المعارضة هو إخراج لبنان من دائرة النهب المنظم الذي يتعرض له منذ سنوات طويلة حتى بات النهب ثقافة شائعة، الأمر الذي يعود بالضرر البالغ على المواطنين، اذ يحرمهم من حقوق شتى باتوا بأمس الحاجة اليها في ظل الصعوبات التي يعيشونها يومياً. فمن أولى مشاريع الحكومة المعارضة إعادة النظر في السياسة الضريبية المعتمدة التي تشمل كل القطاعات الاقتصادية، وصولا الى الضريبة على الأملاك البحرية وشركة «سوليدير» المعفاة من الضرائب لسنوات طويلة، تحت بند تشجيع الاستثمارات في حين تؤخذ من المواطن العادي ضرائب ضخمة على صفيحة البنزين لتغطية الدين العام الذي سيخضع لإعادة تقييم أيضا لناحية طرق تأمينه من موارد لا تمس على الأقل اصحاب الدخل المحدود، وصولا الى تأمين الطاقة من مصادر كانت في السابق موضع تحفظ، لاعتبارات سياسية، مثل إيران التي عرضت تزويد لبنان بالكهرباء.
حكومة المعارضة، ستعيد تنظيم كامل إدارات القطاع العام، وملء الشواغر في الوظائف، حتى تتمكن من تنفيذ برنامجها بالكامل، وفق رؤيتها لتصحيح الخلل من خلال عملية تطهير الإدارة من العناصر الفاسدة واستبدالها بعناصر نظيفة بعيداً من الكيدية السياسية وصولا الى تسوية أوضاع المؤسسات الأمنية، ولا سيما غير الشرعية منها، وصولا الى التشكيلات القضائية التي من المفترض أن تأخذ بعين الاعتبار إزالة كل الشوائب التي طرأت على السلك القضائي، في الفترة الماضية.
يمكن أن ينظر الى ما تقدم على أنه صورة وردية لا ترى إلا في احلام اللبنانيين التواقين الى تأدية واجباتهم، والحصول على حقوقهم في آن. وهو ما يراهن عليه جمهور المعارضة بشكل كامل، بغض النظر عن المكاسب السياسية، إلا أن ذلك الجمهور يعلم علم اليقين، أن تغيير ذهنية الشارع العريض، من كل الأفرقاء، إنما تتصل بهذا المستوى من الأداء، حيث يمس جميع الناس وليس فئة أو طبقة منهم.
الرهان على «دولة المعارضة» قائم وفق معايير لا يمكن التشكيك بها، وهي حكما تصلح لأن تعتبره برنامجا تخاض على اساسه الانتخابات النيابية في 2013 وفق قانون انتخابي حديث، سيشكل احد أهم الانجازات للحكومة المقبلة، حيث ستضمن الاستمرار أو.. الزوال!؟..
تعليقات