المسيحيون.. مسؤولية إسلامية
المسيحيون.. مسؤولية إسلامية
البناء 3 كانون الثاني 2011
محمد شمس الدين
دفعة واحدة، برزت التحديات الكبيرة في وجه المسلمين عموما في لبنان، وفي المنطقة، في مواجهة ما يبدو أنه مشروع لاسقاط الدور المسيحي في الشرق ليس على المستوى السياسي فحسب، بل يتعداه الى وجودهم بشكل كامل. وهذا ما تثبته الأحداث التي جرت في الأسبوعين الأخيرين، التي قد لا تنتهي بالتفجير الذي طال «كنيسة القديسين» في الإسكندرية عشية الاحتفال برأس السنة الجديدة.
ما جرى ويجري ضد المسيحيين في العراق، إضافة الى أوضاعهم المستجدة في مصر، إنما يطرح الكثير من علامات الاستفهام، حول مشروع استهدافهم، والذي وضع على نار حامية، وهو ما تدل عليه تلك التفجيرات التي تطالهم. علما أن المسؤولية لم تخف على أحد بإعلان تنظيم «القاعدة» مباشرة أو بواسطة أجنحته عن مسؤوليتهم حيال ما حصل، ليُستنتج من خلال ذلك أن الاستهداف هو عمل منظم، يرتبط بشكل أو بآخر بمشاريع ذات أبعاد إقليمية ودولية، لعلها ليست بعيدة مما تخطط له الولايات المتحدة الأميركية لإثارة الفتن الطائفية والمذهبية، بعدما فشلت خططها في الاحتواء السياسي والاقتصادي للمنطقة، وسقوط منطق التهديد والوعيد الذي كانت تنفذه باستمرار، بذراعها «الإسرائيلية».
مشروع اسقاط المسيحيين في المنطقة، طالما كان هدفا أميركيا بامتياز، بعد قراءة استراتيجية قدمتها مراكز دراسات تعتمدها الإدارة في واشنطن، من أجل تقديم تصورات واقتراحات حول الأولويات التي عليها اعتمادها للإبقاء الدائم على مبدأ «السيطرة»، كجزء من السياسة الاستراتيجية للولايات المتحدة، دون النظر الى أعراق وديانات وشعوب. وهذا المشروع قد بدأ العمل به منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وتحديدا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وترسيخ أسس الدولة فيها، واقتناع الأميركيين بأنها أصبحت خارج النفوذ وصولا الى حد استعدائها. فالنظرة الاميركية الجديدة الى المنطقة قد قسّمتها بين قوتين إسلاميتين، شيعية وسنية، وفرضت أسلوبا «متطرفا» لحفظ مصالحها ضمن هذه التوازنات.
لقد عملت الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولا سيما ادارة الشؤون الخارجية فيها، منذ ولاية الرئيس الأسبق رونالد ريغين، على فتح «حوار» مع المسيحيين في الشرق، لإفهامهم بأنهم باتوا خارج نطاق العمل السياسي، في المنطقة العربية، فقدموا لهم الوعود والإغراءات بتقديم المساعدات الاجتماعية كافة، وتأمين مصالحهم خارج دوائر صنع القرار، باعتبارهم أقلية لا يمكنها الاندماج مع أكثريتين مسلمتين، ما يعني أن المشروع الأميركي للتفتيت يبدأ من عند المسيحيين تحديدا وليس من الإيقاع بين السنة والشيعة، والذي لم تنجح محاولات واشنطن حتى اللحظة في تحقيقه، فتوجهت الى النقطة الأضعف في التركيبة الاجتماعية للمنطقة، ثم بدأت عمليات استهداف المسيحيين في العراق مستغلة ضعف الدولة في تأمين الحماية لهم، علما أن تنظيم «القاعدة» المتهم الرئيسي في مسلسل التهجير، إنما يصلح لأن أن يكون مكسر عصا، وقميص عثمان، في هذه القضية، إذا استبعدنا من النقاش قدرة الاستخبارات الأميركية على استغلاله، لتنفيذ مثل تلك العمليات من جهة، أو حالة «العداء» المفترضة بين الجانبين، من جهة ثانية.
في السياق نفسه، لا بد من الإشارة الى أن المسيحيين في لبنان، كانوا أول من تبلغوا بالقرار الأميركي، بعد عشر سنوات من الدراسات، أي منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي الى بداية التسعينيات منه، فقد حط «مؤتمر الطائف» في لبنان كحل للأزمة التي اندلعت فيه بعد «سيناريو» حرب تشرين بين العرب و«إسرائيل» في 1973، والذي أخرج مصر من الصراع على القاعدة التي وضعها وزير الخارجية الأميركية الأسبق، هنري كيسينجر، والقائلة بأن «لا حرب بدون مصر، ولا سلام بدون سورية». حيث شكل اتفاق الطائف بالتوازات التي أرساها أول فعل اميركي بالحد من صلاحيات المسيحيين في السلطة السياسية اللبنانية، وقد أتى جزئيا من خلال اعتماد المناصفة، في محاولة لتغيير قواعد اللعبة التي فقدت الإدارة الأميركية السيطرة عليها، بعد صعود نجم المقاومة ضد «إسرائيل»، وما حققته من إنجازات تراكمت الى حين تحقيق الانتصار الكبير في 2006 إثر «الحرب العالمية» عليها.
ما يحصل من اعتداءات ضد المسيحيين في المنطقة العربية، ليس أقل من المشاريع التي تطرح في لبنان، داعية الى وقف تملك الطوائف بعضها من بعض، والذي لا يعبر إلا عن وقف الإندماج والحد من العيش الواحد، بين ابناء الوطن الواحد. علما أن الاتهامات التي يوجهها البعض الى حزب الله، من أنه يسعى الى ضرب ما يسمى بـ»الصيغة»، تنفيه الخطوات التي قام الحزب ويقوم بها تجاه تحقيق المواطنية بشكلها الصحيح، وهو ما عبر عنه من خلال «التفاهم الاستراتيجي» الذي وقعه مع التيار الوطني الحر، والذي ثبت أنه أنقذ لبنان من مخاطر الانقسام والانزلاق في المنزلق الطائفي، الذي كان موضع رهان أميركي – «إسرائيلي» خصوصا في خضم الحرب التي لم تنته بعد. ما يجعل من هذا التفاهم نموذجا للإقتداء به، في وضع استراتيجيات تعمم على دول المنطقة كافة التي تضم مسيحيين ضمن تركيبتها الاجتماعية، لإعطائهم الحصانات الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية، من خلال صيغ تحفظ لهم الحقوق والمشاركة الفاعلة والعادلة، الأمر الذي يجعل الوجود المسيحي الفاعل مسؤولية إسلامية، وسط حملات الاستهداف المستمرة.
تعليقات