نضوج الحل: دفن سنوات الأزمة الخمس
نضوج الحل:
دفن سنوات الأزمة الخمس
البناء 6 كانون الثاني 2011
محمد شمس الدين
قد يفاجأ معظم اللبنانيين والسياسيين، وتحديدا شخصيات فريق 14 آذار، بأن مسار التسوية التي يعمل على انجازها المسعى السوري ـ السعودي منذ أشهر، قد بلغت نهايتها على قواعد تختلف كليا عن مضمون التصريحات التي يطلقونها في كل اتجاه وتتركز حول بعض المقايضات هنا أو الضغوط هناك، وصولا الى حد التهديد والوعيد ومواعيد صدور القرار الظني وما إذا كان سيسبق الحلول أو يأتي بعدها. إذ أن المعلومات المتوافرة تشير الى أن «الطبخة قد نضجت» والجهود السورية ـ السعودية قد وصلت الى وضع صيغة متكاملة لاتفاق سيتخطى الخلاف على المحكمة وقرارها الظني أو الاتهامي، الى تسوية شاملة تنسف كل المرحلة الماضية، أي منذ الـ 2005 الى نهاية الـ 2010، والقفز فوقها زمنيا وكأنها لم تكن.
مصادر معنية في حزب الله قالت، إن نجل الملك السعودي عبدالله الأمير عبد العزيز، سيصل الى بيروت في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري لإجراء محادثات مع كل الأطراف في لبنان، من أجل إبلاغهم بنتائج المسعى السوري ـ السعودي الذي وافق عليه كل من رئيس الحكومة سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، اللذين أدارا، كل على حده، مفاوضاته «غير المباشرة» حول بنود التسوية وأشرف عليها بشكل مباشر، في حين شارك الرئيس نبيه بري بفعالية في وضع مسودة الاتفاق، وهو يعمل حاليا على بلورة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه لبنانيا، مشيرة الى أن تصريحه الأخير حول تمسكه بالرئيس سعد الحريري كرئيس للحكومة «أولا وثانيا وعاشرا»، إنما هو نابع من قناعة الرئيس بري وارتياحه للنتائج التي توصلت اليها الجهود التي بذلتها كل من دمشق والرياض، كما تعبر عن الارتياح تجاه الموافقة التي اعطاها الحريري والتي وصفت بأنها تصب في «مصلحة لبنان»، وتضمنت تجاوزا واضحا لكل الضغوطات التي يتعرض لها الحريري على المستوى الدولي، والتي كانت تقف عثرة امام دخوله في مشروع الحل بالرغم من كل الضمانات التي قدمتها له المملكة السعودية، إلا أن ملكها نجح أخيراً في إقناع رئيس الحكومة اللبنانية بضرورة عدم الإصغاء لها.
إن ما ساعد في تحقيق تقدم المسعى السوري ـ السعودي والتوصل الى مسودة اتفاق حول تسوية أكبر من موضوع المحكمة، هو بروز مؤشرات واضحة على ضعف ما توصلت اليه التحقيقات التي تجريها المحكمة نفسها وفريقها في جريمة الاغتيال. في حين أن السعودية بذلت جهودا جبارة، ووضع الملك عبدالله كل نفوذه وثقله لمعرفة حقيقة ما تم انجازه وفي أي طريق يتجه، ليأتي الجواب، بأن التحقيقات ما زالت حتى الآن تجري من أجل التوصل الى تأكيد بعض الفرضيات المتعلقة بالتفجير، وأن لجنة التحقيق الدولية والمحكمة لا تزالان تنتظران نتائج بعض الأبحاث التي يجريها اكثر من مركز متخصص، ما يدعو الى الاستنتاج بأن لا قواعد صلبة في الاتهام، وأنه لا يجوز رهن لبنان ومن خلاله مجمل العلاقات العربية – العربية والعربية - الإسلامية لمنطق التخمين إلى ما لا نهاية، بينما تحول القرار الظني الى عامل أساسي لزعزعة الاستقرار بين الفئات اللبنانية المختلفة، المعني منها وغير المعني.
الحقائق المتصلة بمجريات عمل المحكمة وتحقيقها الدولي التي توصل اليها الملك السعودي عبر نفوذه، وُضعت بالجملة والمفرق أمام الحريري الذي اقر بالمنطق السعودي للحل، وضرورة اعتماد طريقة أو مقاربة جديدة لقضية الحقيقة التي لم يطلب احد من الأطراف المتنازعة بسببها تجاهلها، بل على العكس فقد عمل حزب الله المتهم سياسيا وافتراضيا في جريمة الاغتيال، على تأكيد سعيه الى معرفة من اغتال الرئيس الحريري، علما أنه يعرف حق المعرفة لماذا اغتيل، وهو الأمر الذي أثبتته فبركات اتهامه، التي بنيت على «الشهود الزور» الذين دفع الحزب بملفهم الى واجهة الأحداث السياسية ليضع النقاط على الحروف، بينما يواجه وحده تداعيات هذا الاغتيال.
ما أكدت عليه المعلومات المتصلة بنتائج المسعى السوري ـ السعودي أيضا، هو أن القرار الظني الذي تعطلت أعمال الدولة ومؤسساتها في لبنان بانتظاره لن يصدر عاجلا للاعتبارات التي ذكرت آنفاً، وانه لا يمكن الاستمرار بهذا التعطيل بغض النظر عن السبب والمسبب، الذي ينعكس بشكل كبير ومباشر على رئيس الحكومة نفسه، وهو ما سيؤدي حكما الى سقوط «تلقائي» للحكومة، الأمر الذي سيتسبب بأزمات إضافية قد تطال هذه المرة تركيبة البلد، بما يؤدي الى حسم الأمور سياسيا وخسارة فريق لكل المواقع التي حصل عليها خلال المرحلة الماضية، وتحديداً رئاسة الحكومة.
تبقى العبرة في التنفيذ وقدرة اللبنانيين عليه. لأنه في النهاية لا يمكن أن يطبق أي اتفاق إذا لم يتوفر له الحد الأدنى من الوفاق الداخلي، خصوصا في غياب الإجماع واستحالته من جهة، وتربص بعض الخارج لتخريب أي حل لا يأخذ في الحسبان مصالحه ومصالح أصدقائه،.. ولو كانوا من أعداء لبنان من جهة ثانية.
تعليقات