سقوط الحريري.. سقوط للمشروع؟
لا شيء سيمنع انطلاق الحكومة؟!
البناء 27 كانون الثاني 2011
محمد شمس الدين
مثلما كان متوقعاً، فإن المعارضة قد استطاعت أن تغير وجه السلطة في لبنان من دون تسجيل أي «ضربة كف» كما يقال، وهذا ما يثبت حاجة اللبنانيين الى التغيير الحقيقي الذي يجب أن يبنى على اسس راسخة وبرنامج عمل يقدم الكثير لهم، بعدما فشل المُدَّعون في تحقيق الحد الأدنى من المطالب الحياتية للناس، مستغلين بشكل كامل تأييدهم لهم تحت شعارات واهية وحجج بالتعطيل تبين زيفها خلال فترة حكمهم للبلد.
ما كان يحصل لن يتكرر. فها هو نجيب ميقاتي يعود «وسطياً» كما يحب الى الحكومة متجاوزاً العقبة الأولى، مبيناً أنه قادر على الوقوف في وجه حملات التكاذب والتهديد والوعيد غير المستندة إلا إلى خطاب مذهبي دنيء لا يقبله إلا القلة من أصحاب العقول البسيطة أو النوايا الخبيثة، وهو ما ظهر في يوم «غضبهم» الهزيل الذي انطلق من طرابلس التي رفضت هي نفسها النزول الى الشارع فاقتصر الأمر على بعض المحازبين الصغار وبعض الخطابات التافهة التي لم تجد حتى الكلمات لا على الورق، ولا على أفواه المتحدثين المكلفين بـ»التوجيه السياسي» أو أولئك المتزعمين بفعل زمن الردة.
يوم 25 كانون الثاني هو اليوم الذي سقط فيه المشروع وأدواته، والذي بني على «دم الوالد». وسقطت معه كل الرهانات الخارجية من هنا وهناك لتمرير صفقات، الهدف منها تحقيق أهداف سياسية لم تستطع حروبهم واحتلالاتهم لهذا البلد ان تحققها. فسقوط سعد الحريري من الحكومة يشكل سقوطاً لآخر شخصيات تلك الرهانات، وبالتالي صار بالإمكان توقع أن تبدأ مفاعيل انتصار حرب تموز 2006 بالظهور تدريجياً بعدما تم تقويضها لفترة من الزمن حاول معها الفريق الآخر «خنقها» وصولا الى سحب آخر انفاسها عبر المحكمة الدولية.
لقد كانت المعركة التي يخوضها حزب الله والمعارضة منذ 14 آب 2006 تاريخ وقف العمليات الحربية في الحرب العالمية التي شنتها «إسرائيل» على لبنان، مقتصرة على «حفظ الإنجاز» دون التمكن من قطف الثمار، مراعين بذلك ظروف البلد المتنوع طائفياً، وانطلاقا من حرصهم على أن يكون المنتصر هو كل لبنان وليست فئة معينة فيه، وهذا ما قدمه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه في 22 ايلول 2006 علناً الى الشعب اللبناني وكل الأطراف فيه حتى الى تلك التي كانت جزءاً من الحرب عليه. لكن القرار «الإسرائيلي» الأميركي الذي استجاب له سعد الحريري وقبله فؤاد السنيورة في رئاستيهما للحكومة قد حال دون تحقيق مفاعيل ذلك الانتصار. لم يكن انشاء المحكمة الدولية الخاصة إلا جزءاً من تلك الخطة الرامية الى خنق الانتصار والحد من مفاعيله التي كانت مرشحة يومها للامتداد الى خارج حدود الوطن الصغير، وهو ما كان واضحاً من خلال تفاعل الجمهور العربي في كل مكان مع ذلك الإنجاز، ما كان سيشكل في حينه تدحرجا لـ»كرة الثلج» الزاحفة من لبنان وازدياداً في حجمها.
لم يترك سعد الحريري في اليوم الثاني للاستشارات الملزمة لتكليف رئيس عتيد للحكومة «مطرحاً للصلح» حتى مع السُنة، الذين حاول فرض نفسه عليهم بالتهديد، وذلك من خلال تحريك عصابات «الحاضر» و»المستقبل» في غير مكان من لبنان، وهو ما يرفضه المسلمون السنة عموماً وخصوصا بعض العقلاء من تيار المستقبل، الذين شعروا بأن الحريري قد جرهم الى العبث، وأن الرجل قد سقط الى غير رجعة، وهو حوّل الحلم ببناء مؤسسة سياسية كبيرة الى قبيلة، في حين تحوّل هو من زعيم سياسي الى شيخ لمضارب بني الحريري في وسط بيروت وقريطم.
لم تنته حرب حزب الله في تثبيت المفاعيل السياسية لحرب تموز من خلال اسقاط الحريري فقط، بل هي مستمرة الى حين تحقيق أمرين؛ الأول: سقوط المحكمة الدولية وهو الذي لم يكن بالإمكان تحقيقه بوجود الحريري في السلطة، بعدما فشلت محاولات اقناعه بالتخلي عن الرهان على من أدخل قضية اغتيال والده في نفق التسييس، لكن حزب الله يعلم أن إلغاء المحكمة الدولية أمر صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً، لذلك لجأ الى إطلاق عملية مواجهتها بـ»المقاومة الناعمة»، ولذلك أيضاً لم يكن بحاجة الى وضع هذا النوع من الشروط على رئيس الحكومة العتيد، واكتفى بأنه غير منحاز في هذه القضية وأنه حريص على المقاومة ولن يسلم البلد ولا من فيها الى عدوها مهما بلغ حجم الضغوطات.
الثاني: قضية سلاح المقاومة التي أدخلها الحريري هي أيضا في نفق التسييس الدولي، وخضع للرغبة «الإسرائيلية» والأميركية من أجل التخلص من هذا السلاح. وبذلك وافق على جعله مادة خلافية وصولا الى إغراق لبنان في الفتن الطائفية والمذهبية تحقيقا لهذا الهدف، الأمر الذي اسقط متابعة الحوار حول استراتيجية حقيقية للدفاع الوطني يكون هذا السلاح جزءاً منها.
هذان الأمران وافق الرئيس ميقاتي على معالجتهما لبنانياً بما يرضي كل الأطراف، دون إدخالهما في بازارات السياسة الدولية والارتهان لها، مع الاحتفاظ باقصى حدود العلاقات معها. وهو ما سيعرضه على كل الأفرقاء في لبنان لتأليف حكومة شراكة وطنية.. وإلا فإن شيئاً لن يمنع من الانطلاق.
تعليقات