البيك والولد.. وحكم البلد!

البيك والولد.. وحكم البلد!
محمد شمس الدين
مرة جديدة تسقط المساعي الحميدة أمام التآمر الدنيئ. لقد فعلها سعد الحريري في واشنطن ونيويورك وبالتالي التزمت الإدارة الأميركية هذه المرة بتعهداتها له وأصدرت القرار الاتهامي ولو أن مضمونه قد بقي سرياً لضرورات تتعلق برصد ردات الفعل تحديداً. ما جرى في نيويورك بات واضحاً، وهو أن الملك السعودي اعتذر من الرئيس بشار الأسد عن متابعة الجهود المشتركة لحل الأزمة في لبنان تحت ضغط أميركي تجرأ سعد الحريري على تبنيه متحدياً إرادة سيده وسيد أبيه قبله.
لقد أعطى الأميركيون الضوء الأخضر للمحكمة الدولية بإصدار القرار المشؤوم لإنقاذ الحريري من الحفرة التي أوصلوه اليها بعدما سقط بضربة إستقالة المعارضة من الحكومة. كان لا بد من اعادة الاعتبار اليه وهو خشبة خلاصهم والإسرائيليين الوحيدة في ظل انهيار مشاريعهم للمنطقة. لم تكن حسابات المعارضة خاطئة حيث أعطت المزيد من الفرص لمساعي التسوية تجنيباً للبنان الأسوأ. تلك المساعي التي نجحت بدورها في بلورة ما يُخمِد الأزمة وبقناعات كاملة من ملك المملكة السعودية الذي رأى بوضوح منزلقات المحكمة ونتائج افعالها على الوضعين اللبناني والعربي، لكن الحريري اجهضتها ارتباطات الحريري بأجندة مشاريع سياسية بعيدة عن توجهات الملك.  
الى اين يمكن أن تفضي الأزمة القائمة، والتي استفحلت بصدور القرار الذي اسقط مرحلة كاملة من الجهود بأمها وأبيها، كما ألغى كل امكانية للعودة الى التفاهمات التي كانت قيد الانجاز؟.
إن ما دخلت فيه البلاد في اليومين الماضيين يؤشر الى صعوبة الحل، لأن حجم التنازلات التي بات على اي فريق تقديمها باتت كبيرة الى درجة يصعب معها ذلك. فما تطالب به المعارضة على مستوى المحكمة الدولية يبدو أنه مستحيل في حسابات الولايات المتحدة وإسرائيل - حيث أنه ليس من داع لذكر الفريق الداخلي – وبالتالي فإن ذلك يوجب الحسم ولمرة واحدة فقط، دون النظر الى النتائج التي من دون شك لن تكون إلا رابحة في حسابات الربح والخسارة المتراكمة منذ العام 2005. فلم يعد جائزاً "السكوت" لأنه سينكشف انه على حساب الناس. كما ان "الخشية من الوهم" سينعكس سلبا على المعنويات التي بنيت بالدم الذي لا يجب أن يتحول في لحظة الى ماء.
عملية إسقاط الحكومة إنما تم تأكيده من قبل المعارضة بحسم عدم عودة "الولد لحكم البلد" ولو كان غطاؤه دم ابيه، لأن مستقبل اللبنانيين وأجيالهم المقبلة لا يجب أن تظل مرهونة لهذه القضية، وليفتش سعد الحريري عن قاتل والده بين أصدقائه وحلفائه الذين يتهددونه ويخافهم، وتتحكم بالعلاقات معهم الصفقات والمصالح، إضافة الى المال والسلطة. لكن من اين له التلطي الآن بعدما طالتهم "لقلقاته" أمام لجنة التحقيق الدولية وانكشاف حقيقة نظرته اليهم.
في الوقائع ان المعارضة راهنت مرة جديدة على الذين قربتهم تحت عنوان الصفح بعد إعلان الندم. لكن "المياه كذّبت الغطاس". فقد حانت اللحظة التي كان فيها بالإمكان تقديم الإثبات على ان التراجع هو خطوة استراتيجية وليست تكتيكية. فلم يكن من المفترض ان يطلب أحد من النائب وليد جنبلاط أن يصوت هو ونوابه الأحد عشر الى جانب المعارضة في الاستشارات الملزمة التي كانت ستنطلق مطلع الأسبوع الجاري، إن في اللقاء مع الأمين العام لحزب الله أو في اللقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد لأنه كان من الطبيعي أن يكون موقفه واضحا إثر العراضات والمواقف التي اتخذها استرضاءً "للحلفاء الجدد". مرة جديدة سقط جنبلاط في الامتحان فهو حاول التشاطر بتجاهل حقيقة الموقف الذي عليه اتخاذه في لحظة حاسمة، لكنه آثر "الاستغباء" مراعاة لمصالح أو اقتناعاً بخيار يبدو أنه ما زال متمسكا به حتى اللحظة. 
لقد استغل جنبلاط أخلاق السيد الذي لم يطلب منه تحكيم ضميره، كما تذاكى في حضرة الرئيس السوري وتذرع باسباب لا ترقى الى الخيارات والمبادئ وحتى السياسة، وها هو يسوق أنه تركت له المساحة مفتوحة ليلعب فيها كما يشاء في وقت لا مجال فيه للتذبذب فاختار أن يعوم نفسه، مُظهِّراً موقعه في توازنات بات على المعارضة وأصحاب الشأن تجاوزها باتجاه وضع حد لكل العهر السياسي الذي يجرونها اليه لتسقط امام الناس في لعبة مصالح بعيدة عن كل المبادئ التي عودتهم عليها.
لقد استطاع جنبلاط في احداث أيار 2008 والذي كان السبب الرئيسي فيها، أن يجر المعارضة وعلى رأسها حزب الله الى الدوحة تحت ذريعة عدم الدخول في فتنة. لكن اليوم ليس هناك من أبواب مفتوحة في اي اتجاه ما عدا باب واحد وهو "مصلحة الوطن وشعبه ومقاومته فوق كل اعتبار". وهذه المصلحة لا تحفظ أو تتحقق إلا من خلال مواقف واضحة وجريئة ولو لم يكن عنوانها "التوافق" الذي يتخفى وراءه.
بين "ارتباطات" الشيخ ومناورات "البيك".. فإن ما يريده الناس هو حياة كريمة وعدتهم بها المعارضة، وهم ينتظرون منها أن تكون بمستوى الثقة التي منحوها لها لاستكمال الانتصار الذي حققته في حربها ضد إسرائيل، وذلك بحفظ كرامتهم مما يتعرضون له من إهانات وإستخفاف يمارس من قبل بعض العصابات الصغيرة وبعض الأولاد الذين يلعبون بنار سوف تحرق اصابعهم حتماً.
          
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار