حكومة اللون الواحد

حكومة اللون الواحد
البناء 17 كانون الثاني 2011
محمد شمس الدين
لعل الخير في ما وقع! لأنه قد يكون فرصة حقيقية أمام المعارضة اللبنانية لتقديم نموذج جديد في إدارة البلاد منذ أن وجد لبنان على الخريطة منذ أكثر من ستين عاما، بعيدا من المحاصصة المغطاة بشعارات التوافق. فقد أثبتت الأحداث المتتالية أن تلك العبارة لا مكان لها في الممارسة السياسية عند الكثير من الأطراف السياسية التي تتطلع الى تحقيق الحد الأقصى من المكاسب ولو على حساب الوطن الذي كدنا ننساه وننسى الانتماء اليه نتيجة أفعالهم.
فشل المسعى السعودي - السوري في إيجاد حل للأزمة اللبنانية الناتجة من المحكمة الدولية الخاصة يجب أن يستفاد منه في تصحيح الخلل الكبير الذي فرض نفسه بقوة بعد عدوان تموز 2006 حيث صارت العمالة لـ»إسرائيل» مجرد وجهة نظر حاول اصحابها تعميمها كثقافة اجتماعية تحت ستار التنوع الطائفي الذي يتمتع به لبنان.
لعل الطريقة التي اسقطت بها الحكومة وتوقيتها ينبئان بأن قرارا قد اتخذ للعمل بتداول السلطة كما باقي دول العالم «المتقدم».، وكما تنص عليه الأنظمة والقوانين المرعية، وليحكم من يحصل على الأغلبية في الإستشارات الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية اليوم وغدا. ليثبُت لأول مرة بأن الصراع القائم في لبنان هو بين مشروعين سياسيين وليس بين الطوائف والمذاهب التي يتكون منها هذا البلد، وهو ما سيتاح التعبير عنه عندما يلجأ رئيس الحكومة العتيد الى تشكيل حكومته من لون سياسي واحد ومن كل الطوائف والمذاهب على قاعدة المشروع السياسي الذي يؤمن بأن عليه تحقيقه وفق رؤية للحكم متفق عليها ضمن اللون السياسي الواحد، وليس مع المختلف معهم من المشروع الآخر. فـ»التوافق» الذي فرضه اتفاق الدوحة سنة 2008، قبلت به المعارضة تحت وطأة التسعير المذهبي والشحن الطائفي الذي مارسته أطراف داخلية طيلة السنوات الخمس الماضية منذ لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وفي هذا السياق لا بد من الاعتراف بأنها قد نجحت مع من وجهها الى ذلك من دول عربية وغربية في الحد من اندفاع المعارضة، وأقوى أطرافها حزب الله، وإقصائهم عن تنفيذ ما كان يجب ان ينفذ منذ الانتصار على العدو «الإسرائيلي» سنة 2006، حيث إنه كان من المفترض والطبيعي في آن، أن تُمنح الأطراف المنتصرة والتي تتشكل من كل الطوائف اللبنانية الفرصة للحكم، بعدما ثبت تواطؤ قسم من الوطن مع العدوان.
السيناريو نفسه من التسعير المذهبي والطائفي يتكرر اليوم بعد اسقاط سعد الحريري والحكومة، حيث ارتفعت الأصوات لتدافع عن «حق السنة» في اختيار من يمثلهم في السلطة. في حين تناست تلك الأصوات أن هناك مسلمين سنة آخرين لا يوافقونهم دعواهم، عدا أن ما ينادون به معلوم ثمنه من قبل الجميع، إن كان من السنة أو من الحلفاء من المسيحيين أو غيرهم. لكن ذلك يؤكد مرة جديدة على أمر واحد وهو أن ما ينادي به هذا القسم من السنة لا يعبر إلا عن فريق سياسي واحد، وإلا ما ضرورة أن ينضم الى جوقتهم سمير جعجع و«قواته».
أصحاب الدولة والشأن يعرفون بأن لا «توافق» على المبادئ والمسلمات ولو تضمنها بيان وزاري لحكومة ما يسمى وحدة وطنية، حيث أن هذا النوع من الحكومات في حال تشكيلها في دولة ما لا تكون مختلفة على تحديد العدو من الصديق بل على طريقة إدارة البلاد بما ينفع الناس.
لقد دقت ساعة الحقيقة التي على اللبنانيين ان يواجهوها، وهي ان مسار الأمور سيتغير مهما أطلق عليه من تسميات، لكنه لن يخرج عن كونه خطوة ديمقراطية ستأخذ مجراها الى النهاية، وسيحاسب من يجب أن يحاسب لأنه رهن مصير البلاد والعباد، إما لتحقيق أغراض ومنافع شخصية، أو لخدمة مصالح دول أجنبية تدعي صداقة لبنان وشعبه، وهي كانت قد بدأت منذ فترة الترويج عبر بعض الشخصيات الإعلامية والسياسية أنها ستقفل سفاراتها في بيروت و أنها ستوقف مساعداتها الى الدولة اللبنانية والجيش اللبناني كما باقي القروض والمنح. إلا أن ذلك لن يحول دون وضع الأمور في نصابها لأن في ذلك مصلحة للبنان وهي أكبر من كل المساعدات التي يتلقاها ويدفع ثمنها من وحدته وسلامة عيش ابنائه.
لن ينفع أيضا فرض الشروط والشروط المضادة لانتاج حكومة وحدة وطنية في ربع الساعة الأخير، والذي بدأ العمل عليه من أجل تجنب حكومة اللون السياسي الواحد، وما تعنيه من استبعاد للحريري وفريقه السياسي دفعة واحدة مع ما يعنيه ذلك من خسارة سياسية فادحة. وفي هذه الحال ليس من المفروض أن ينزعج «الخاسرون»، لانه سيصبح بامكانهم انتظار «قرارهم الاتهامي» بحرية، كما سيصبحون قادرين على حمل لواء المعارضة الى أقصى الحدود وليبرزوا عند ذلك ما لديهم ويقنعوا الناس به خدمة لمشروع اعتلائهم السلطة في الفترة المقبلة.
حكومة اللون الواحد باتت على الأبواب لأول مرة في تاريخ العمل السياسي في لبنان، ليستمر بعدها صراع المشروعين بعيداً من الاستقواء بالخارج والنفخ في نار الفتن. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار