بنود «التسوية» الثلاثة

بنود «التسوية» الثلاثة
 البناء 10 كانون الثاني 2011
محمد شمس الدين
انتقل النقاش بين الأطراف اللبنانية بسرعة، من أصل وجود تسوية سعودية – سورية، الى من ينفذ الخطوة الأولى فيها، بعد كلام رئيس الحكومة سعد الحريري «المدروس تقنيا» للخروج من مأزقه مع حلفائه وجمهوره، بعدما حجب عنهم علمه بوجود مسار للمفاوضات كانت تجري بين الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد. إلا أن الحريري كان صادقا ولا شك عندما صارح من حوله بعدم علمه بما «يُطبخ» تفصيليا الى حين السماح له بلقاء الملك في نيويورك خلال زيارته له حيث ابلغه الملك بمضمون ما تم الاتفاق بشانه مع السوريين، وأن عليه البدء بتحضير الأجواء للشروع به، وخلاصته ثلاثة بنود:
الأول: عدم انتظار القرار الاتهامي المقرر صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة، وذلك لاعتبارات تتعلق بالالتباسات القانونية التي تشوبها من جهة، وعدم الخضوع للتأثيرات السياسية التي تتجاذبها من جهة ثانية، فالتأخير في صدور القرار لم يعد يخدم مصلحة الأطراف التي تراهن عليه لتحقيق تسوية، ما سيعرّض البلد لخضات أمنية وسياسية ستنعكس حكما على الحريري من موقعه كرئيس للحكومة، وتطيح بكل ما يعتبر انجازات قد تحققت برأي قاعدة الحريري السياسية والشعبية منذ اكثر من خمس سنوات، الى الآن. كما لم يعد بالإمكان المحافظة على تلك الانجازات التي إذا تبخرت، فإنها ستضاعف ازمة الحريري الداخلية على مستوى الشارع السني قبل حلفائه من الطوائف الأخرى، الذين هم في المبدأ متحالفون معه بالقدر الذي يؤمن فيه مصالحهم المباشرة في السلطة.
لا بد وأن عملية فك الربط بين صدور القرار الاتهامي والتسوية ليس بالشيئ السهل بعد التأكيد عليه لفترة طويلة حتى بات شيئا اساسيا في ثقافة شارع الحريري السياسية، إلا أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار حاجة هذا الشارع الى تحقيق الاستقرار ليس على المستوى الأمني فحسب، بل يتعداه الى الأهم وهو الاستقرار الإقتصادي والاجتماعي، الذي بدأ يفلت من عقاله في ظل حكومة يديرها الحريري ولا تملك أي قدرة على مواجهة ما يتراكم من تحديات.
في هذا السياق، فإن عدم انتظار صدور قرار المحكمة الظني لا يلغي اعتبار أن تلك المحكمة ستظل قائمة الى ما شاء الله، لكنها ستخضع حكما لمسارات جديدة قد تفرض إعطاء مساحة واسعة لمشاركة القضاء اللبناني في متابعة ملف اغتيال رفيق الحريري، كما سائر الاغتيالات التي حصلت على الساحة اللبنانية والتي تعتبر المحكمة الدولية معنية بها. ما تقدم يشير الى أن الخطوة الأولى التي تقررها التسوية هي في حساب الحريري.
الثاني: تسوية ملف «الشهود الزور» عبر إسقاط مذكرات التوقيف السورية بحق فريق الحريري. وذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال تولي القضاء اللبناني النظر فيه، وهو ما تم الاتفاق عليه أيضا، إن على مستوى القضاء العادي، أو عبر تحويله الى المجلس العدلي، شرط أن يحظى بالاهتمام الكافي من أجل وضع الحقيقة على سكة كشفها، دون مراعاة أحد، لأن أي منحى من هذا النوع سيضع القضية برمتها في خانة التسييس، مرة جديدة. وهذا الالتزام قد وافق عليه حزب الله الذي يعتبر ان تخليه عن ملف شهود الزور نهائياً، إنما يساهم في التعمية على من قتل الحريري والذي يتهم به «إسرائيل»، وهو قد قدم فرضيته فيها مبنية على عدد كبير من القرائن غير العادية.
الثالث: حكومة جديدة، أو تعديل الحالية بما يتيح إعادة التأكيد على بيان وزاري يضمن استمرار التمسك بالمعادلات السياسية الأساسية، كما يضمن بقاء الحريري في السلطة لأمد طويل نسبيا يرتبط ارتباطا مباشرا بمسار كشف الجناة في جريمة اغتيال والده كنوع من الضمانة على أن هذه القضية لن تموت، وأن المصالح التي يريد الحريري تأمينها من خلال وجوده على رأس الحكومة ستعطى الوقت الكافي، إن على المستوى الاقتصادي أو السياسي، وهو الأمر الذي عبر عنه أولا الرئيس الأسد في عدد من إطلالاته الإعلامية، واعتباره أن المصلحة تقتضي استمرار الحريري في لبنان كزعيم سياسي ورئيس للحكومة. كما كرر ذلك الرئيس نبيه بري الذي أعلن عن قبوله بالحريري في موقعه. غير أن رئيس مجلس النواب الذي ارتاب حيال ما أعلنه الحريري مؤخراً، حول الخطوة الأولى في تنفيذ التسوية وتزامنه مع الكلام الأميركي حول عدم القبول بأية تسوية تكون على حساب المحكمة، إنما أراد أن يرسل رسائل تخصه في أية معادلة جديدة اولا، كما ينتظر بحسب مصادره عودة رئيس الحكومة من زيارته نيويورك لتلمس حقيقة الموقف الذي اتخذه، وإذا ما كان تكتيكياً يخدم إعادة تموضعه، أو هو تنصل من الالتزامات التي من المفترض أنه وافق عليها امام الملك، في لقاءاته معه.
وما دفعت سورية والسعودية باتجاهه في تسويتهما للأزمة في لبنان، هو تكريس قاعدة «لبننة الحلول» مرة أخرى. في وقت تبرز فيه التدخلات الخارجية بشكل سافر، دون الارتكاز على معطيات يملكها هذا الخارج، أو هو حتى قادر على تنفيذ مضمون التصريحات التي يطلقها حياله، إلا أنه هو ايضا يتجه الى «لبننة العقد» مستغلاً ما يتوق البعض الى تحقيقه خدمة لرؤى ضيقة على مستوى المصالح الذاتية. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار