"إسرئيل".. الخطر الأكبر على التسوية
«إسرائيل»..
الخطر الأكبر على التسوية
البناء 30 كانون الأول 2010
محمد شمس الدين
سُمح لرئيس الحكومة سعد الحريري أخيراً بزيارة نيويورك لعيادة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الذي يتلقى العلاج هناك. حصل ذلك بعد جهد بذله الحريري من دون أن يؤذن له، والسبب المباشر هو انتظار نضوج الأفكار التي تتداولها السعودية مع سورية لحل الأزمة في لبنان، والتي حان وقت إبلاغ الرئيس الحريري بها، لا مناقشته فيها، لأن الوضع لا يحتمل التذبذب في المواقف، حيث إن ما اتُّفقَ عليه تَضْمنه الرياض ودمشق، ويقوم على تسوية، مبدؤها الأساسي إسقاط المحكمة الدولية لبنانياً، لاستحالة إلغائها دولياً، ما يتطلب خطوات تشريعية وتنفيذية تقوم بها المؤسسات الدستورية في لبنان.
تسرُّب المعلومات حول التسوية دفع ببعض الجهات اللبنانية، وفي مقدّمها رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، إلى التحرك مباشرة باتجاه بكركي وسيدها، من أجل بحث تداعيات قبول الحريري بالتسوية السورية والسعودية على الموقف المسيحي الذي تبنّاه البطريرك صفير من الأوضاع في لبنان الأسبوع الماضي، والذي يقوم على اتهام حزب الله بمحاولة السيطرة على لبنان في خطوة استباقية على إعلان ما اتُّفقَ عليه وأبلغته إياه جهات دبلوماسية غربية، مع طلب ضرورة اتخاذ الموقف المناسب حياله لما له من انعكاسات سلبية على الأوضاع في لبنان والمنطقة.
ما دار بين البطريريك وجعجع في لقائهما الأخير، تمحور حول ضرورة إعلاء الصوت من أجل رفض التسوية، التي بنظرهم ستسلّم لبنان إلى سورية مجدداً، ولكن هذه المرة من دون رغبة الولايات المتحدة وموافقتها، ما يعني بحسب رأيهم عودة العواصف إلى لبنان. ومنشأ هذا الاعتقاد يعود إلى أن التسوية التي يجري إعدادها، وتلحظ عودة العلاقات بين الحريري ودمشق، ستُفضي حكماً إلى تغيير حكوميّ تختلف معه التوازنات، ما يستبعد جزءاً من حلفاء الحريري من داخلها. وهذا ما تفرضه الخطوات المطلوبة دستورياً لإجراء المقتضى بشأن المحكمة الدولية وإسقاطها من «طرف واحد»، مقابل تعزيز دور الحريري في إدراة الحكومة على قاعدة التطبيق الصحيح لاتفاقَي الطائف والدوحة، وفق برنامج تشرف على تنفيذه العاصمة السورية سياسياً، وتراقبه الرياض وباريس والشريك القطري في إطار العودة إلى ما اتُّفقَ عليه في الدوحة، إثر أحداث أيار من العام 2008.
تستبعد مصادر سياسية مواكبة للمسعى السوري ـ السعودي، أن يكون في مقدور الأفرقاء الذين يعتبرون أنفسهم متضررين من التسوية المنتظرة، إعاقتها، أو وضع العراقيل في طريقها، أو حتى فرض شروطهم لتمريرها، ذلك أن الأجواء الإقليمية والدولية لن تساعدهم في تحقيق ما يصبون إليه. فالحلفاء من العرب، إما يتجهون إلى تسويقها، مثل السعودية، أو هم منشغلون بترتيب البيت الداخلي كما يحصل في مصر الخارجة من انتخابات تشريعية «مدبَّرة» تُعتَبَر ممهدة لعمليةِ انتقالٍ توريثية للسلطة فيها، ضمن استراتيجية تعتمد على توجيه الرأي العام المصري إلى قضايا مثيرة، مثل توقيف عملاء لـ«إسرائيل» كُشِفَ عنهم مؤخراً، في حين إنه جرى توجيه الملف نفسه في اتجاه الخارج، وتحديداً في اتجاه سورية ولبنان، من أجل إرسال رسائل تهدئة في العلاقات مع البلدين، بعد سلسلة من التوترات التي سادتها على خلفيات ملفات مختلفة.
المصادر السياسية نفسها قالت إن تشتُّت تركيز بعض الدول العربية المعنية بالملف اللبناني، وابتعاد أخرى عن التوجه الأميركي أو التمايز عنه ولو مرحلياً، يأتي لأسباب عدة أبرزها: عدم تمكن الإدارة الأميركية من إضفاء المصداقية على توجهاتها خلال المرحلة الماضية، إنْ في موضوع الملف النووي الإيراني، أو في مخطط مشروع الشرق الأوسط الجديد، وصولاً إلى فشل المفاوضات بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين، كما عدم قدرتها على تحقيق ما خططت له، ما يُفقد الأطراف الساعية إلى العرقلة قدرتها على تعطيل التسوية، ويحتّم عليها الرضوخ لمنطقها. لكن ذلك سيعيد إلى الواجهة بشكل كبير خطر العامل «الإسرائيلي»، المتضرر الأول من حصول أية تسوية تُبعد شبح المحكمة الدولية، التي تُعتبر الورقة الوحيدة المتبقية بيده الأميريكية، من أجل استكمال الحرب على حزب الله، بعدما فشلت كل محاولات هذا «العامل» الأمنية والعسكرية منذ أكثر من خمس سنوات من الحروب المباشرة.
تعليقات