صيغ تبلغ حد «التفاهم»

صيغ تبلغ حد «التفاهم»
البناء 27 كانون الأول 2010
محمد شمس الدين  
تؤكد الوقائع السياسية التي جرت في الأيام القليلة الماضية التي سبقت عطلة الأعياد، إن على صعيد الوضع الداخلي وارتباطا على صعيد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أو على صعيد الملفات المتصلة، بأن كل شيء مجمد بانتظار عودة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الى ممارسة نشاطه، بعد تماثله للشفاء إثر الجراحة التي اجريت له في الولايات المتحدة الأميركية.
غير أن فترة الانتظار التي قد تطول الى الربيع المقبل، وتحديدا شهري آذار ونيسان من العام الجديد بحسب المعطيات التي تجمعت لدى أكثر من جهة، إنما تنتظر مصير المسعى السوري – السعودي للحل الكامل، وليس لوضع جدول زمني يتضمن التأجيل المستمر للقرار الظني المنتظر صدوره عن المحكمة الدولية، لتحقيق اهداف سياسية باتت معروفة للجميع. لكن ما استطاع الملك انجازه حتى الآن هو الضغط على الولايات المتحدة من أجل تجميد صدور ذلك القرار، ليصار الى بلورة أفكار مشتركة مع سورية وحزب الله وبالتالي إيران، لحلول قد تطال العديد من الملفات المختلف عليها في لبنان والمنطقة.
ما حصل في الأسبوع الماضي من ردود على المؤتمر الصحافي للنائب محمد رعد والمستشار القانوني سليم جريصاتي، تولاها فريق رئيس الحكومة من جهة، والقاضيين الدوليين دانيال بلمار وأنطونيو كاسيزي عن المحكمة الدولية من جهة ثانية، إنما تؤكد على أن الإدارة الأميركية ما زالت غير راضية عما طرح من أفكار لإخراج لبنان من أزمته. ذلك أن المشاورات السعودية لم تنقطع مع تلك الإدارة طيلة فترة وجود الملك في الولايات المتحدة لتلقي العلاج. الأمر الذي أكدته مصادر دبلوماسية سعودية واكبت الجهود ما وراء البحار. وقد عزت المصادر عدم الرضى الأميركي، الى عدم وجود ما يخدم المصالح الأميركية في ما يمكن أن يشكل اتفاقا أو تفاهما بالحد الأدنى بين اللبنانيين حول المحكمة وتفادي مفاعيلها، خصوصا وأنها الورقة الوحيدة المتبقية في يد الأميركيين مقابل ورقة «المقاومة»، بعد فشل كل المشاريع التي وضعت لانهائها بهدف إطلاق عملية «تسوية» بالشروط «الإسرائيلية» بعد انهزام «إسرائيل» في العام 2006.
ما تقوله المصادر الدبلوماسية نفسها حول بلوغ المسعى مع سورية مرحلة وضع صيغ مكتوبة، هو أن بعض المسودات قد كتبت وستبدأ مناقشتها مع الجهات المعنية مباشرة بعد عطلة الأعياد، إلا أنها لم تنف وجود عقبات في الطريق مصدرها الأميركيين. في حين أن بعض التحفظات الأوروبية التي ظهرت لا سيما من فرنسا، لجهة أن «التفاهم الممكن» قد لحظ مسألة «شهود الزور» التي يصر عليها حزب الله وسورية باعتبارهما قد تضررا في فترة سابقة مما بني عليها. وأشارت المصادر الى أن الصيغ التي تم التوصل اليها قد جمعت بين استمرارية المحكمة الدولية واعطاء دور اساسي للقضاء اللبناني في متابعة القضية معها، بعد إجراء تعديلات جوهرية تطال الجهاز القضائي. كما أن ذلك سيكون ضمن برنامج عمل حكومي تقره الحكومة اللبنانية وفق آليات وشروط تضمن تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، يتزامن مع تفعيل مجلس الوزراء على قاعدة البيان الوزاري لتعويض التعطيل الذي طرأ على عمله.
إن المؤتمر الصحافي «الرد» الذي عقده رئيس الحكومة بواسطة معاونيه من تيار المستقبل، إنما يستدل منه على أن سعد الحريري بعيد كليا عن أجواء ما يحضره الملك السعودي مع سورية من حلول، وهو سوف يُبلّغ بها ولا يشارك في وضعها أو صياغتها. أو أنه يلتزم بالتعليمات الأميركية التي يقول السعوديون إنها من الأسباب المعرقلة تنفيذ تلك الأفكار. وفي كلتا الحالتين فإن موقف الحريري وفريقه السياسي يوحي بأنه لا يزال على رهانه على حدوث متغيرات تقلب الأمور رأسا على عقب، دون ملاحظة ان الأمر نفسه موجود لدى الطرف الاخر القادر على إحداث التغيير، لكنه يستمهل بانتظار مساعي التفاهم عله يتجنب ذلك نهائيا.
وفي فترة الانتظار، فإن السباق القائم بين التصعيد والتهدئة والمرتبط حكما بما يجري على الساحة الإقليمية وربما الدولية انطلاقا من حاجة هذا الطرف أو ذاك، هو بين من يسعى الى التوتير على الأرض لكنه غير قادر على ذلك. وآخر يملك القدرة على إحداث التغيير بـ«القوة» لكنه لا يريد، ويحاول تجنبه على قاعدة تجنيب البلد المزيد من الخضات التي لا يستفيد منها سوى العدو «الإسرائيلي»، عدا عن أنه يرى فيها استجرارا له الى زواريب السياسة الوسخة، ويبعده عما اكد عليه من أهداف تجاوزت الساحة الداخلية الى فضاء القضية المركزية، ـ فلسطين وقدسها .
تنظر المصادر الدبلوماسية السعودية الى الأمور بمزيد من الواقعية، لتقول: إن المسعى الذي هم بصدده مع سورية لا يمكن أن يبلغ شط الأمان من دون النية الصادقة لدى اللبنانيين على بلوغه. وإذا كانت السعودية قادرة على إلزام «فريقها المباشر» بما يمكن التوصل اليه. إلا انها تحاول مع «غير المباشرين» من حلفاء فريقها - وهم سيبدأون بالتوافد على المملكة في الفترة المقبلة - أن يلتزموا بالتفاهمات بعيدا عن بازارات البيع والشراء التي تقيمها بعض السفارات في بيروت. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار