الخامنئي ـ نصرالله: الموقف واحد
الخامنئي ـ نصرالله: الموقف واحد
البناء / 23 كانون الأول / 2010
محمد شمس الدين
لم يكن كلام المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، الامام السيد علي الخامنئي خارجا عن المألوف، كما يحاول البعض تسويقه. إذ ان هذا الموقف ربما تخرج به طهران لأول مرة الى العلن، لكنه طالما أُعلن على لسان حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله، والذي هو بطبيعة الحال مُنسّق بشكل كامل مع كل من إيران وسورية، كما يمثل الموقف نفسه الذي أُبلغ الى الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، ويشكل المحور الأساسي في التسوية أو ما بات معروفا بالمسعى السوري - السعودي.
ما فاجأ فريق رئيس الحكومة سعد الحريري وقوى 14 آذار في لبنان، ليس الموقف بحد ذاته، بقدر مفاجأتهم بما يؤكد عليه من أن سقف التسوية الذي رسمه حزب الله في لبنان، إنما هو قرار إقليمي بامتياز، في حين أنه يشكل استراتيجيا جزءا من الصراع الكامل بين المحورين اللذين اتضحت معالمهما ما بعد حرب العام 2006 على لبنان. لكن موقف المرشد، إنما جاء ليوجه رسالة الى الأميركيين مباشرة، في ظل ما يحكى عن استئناف للمساعي الدولية التي تشارك فيها تركيا حول الملف النووي الإيراني، والذي صار مرتبطا منذ فترة بما يجري على الساحة اللبنانية، حيث يسعى الأميركيون الى ربط موضوع المحكمة بالملف الإيراني، كجزء من صفقة مقايضة تهدف الى وضع سلاح حزب الله ضمن مسارات التفاوض الأميركي مع الإيرانيين.
وفي هذا السياق، فإن مصادر دبلوماسية عربية، كشفت كيف أن الإدارة الأميركية أبدت في الكواليس بعض المرونة حيال مسألة تخصيب اليورانيوم، وصولا الى وقف العقوبات على الجمهورية الإسلامية، إذا ما تم التوصل الى اتفاق حول سلاح حزب الله في لبنان، الأمر الذي تطلبه "إسرائيل" في أي تسوية قد تحصل، على أي من المسارات التي تعمل على حل الأزمة في لبنان، ومنها المسعى السوري - السعودي الذي يقف عند عتبة العراقيل الأميركية له.
لكن مسألة ربط المحكمة بالعقوبات، والملف النووي، لن تفلح بإيجاد مساحة في النقاش الدائر حول التسوية، لأن ذلك معناه أن خدمة "إسرائيل" قد قُدمت، في وقت تم فيه التأكيد على الأهداف الاستراتيجية في الصراع مع العدو "الإسرائيلي" ولا سيما من خلال ما أعلنه السيد نصرالله في خطاب عاشوراء. فكلام المرشد الذي لاقى فيه كلام امين عام حزب الله، اسقط ما يسمى بالشرعية الدولية، أو القضاء الدولي في ما خص العقوبات على إيران، أو ما يمكن ان يصدره من احكام في قضية اغتيال الحريري في لبنان. فالاتجاه الذي سلكه كلام السيد الخامنئي قارب حد الفتوى التي لا مجال لمناقشتها، كما جاء ليربط مباشرة بين استهداف حزب الله واستهداف إيران.
ما يعني اللبنانيين من كلام مرشد الجمهورية الإسلامية، خصوصا أولئك الذين فوجئوا به واعتبروه تدخلا في الشؤون الداخلية، هو أن التوازنات القائمة باتت مرتبطة بشكل أوثق بأزمة المنطقة، حيث لا يمكن حتى السؤال عما رأوه تمايزا في الموقف الإيراني عن الموقف السوري في النظر الى المحكمة الدولية، لا سيما وأن سورية التي تضطلع بدور الوساطة مع المملكة السعودية تأخذ في الاعتبار هذا الموقف، منذ البداية، وهو ما عمل عليه الرئيس بشار الأسد مع الملك عبدالله منذ عودة العلاقات بين الطرفين، إثر قمة الكويت في كانون الثاني عام 2009.
موقف السيد الخامنئي من بطلان القضاء الدولي، ومن ثم بطلان المحكمة الدولية، يمكن أن يؤشر الى قرب حسم الأمور على عتبة صدور القرار الاتهامي، الذي كان نقاشه موضع عناية أمير قطر في زيارته الأخيرة الى طهران ولقائه مسؤوليها وفي مقدمتهم الإمام. ما يعني أن المساعي المبذولة من قبل الدوحة وأنقرة، إضافة الى ما يجري على المسار السوري – السعودي، قد بلغت أخيرا العاصمة الإيرانية التي كان عليها إخراج موقفها من خلف الأبواب والكواليس الدبلوماسية الى العلن، في هذه اللحظة المتشابكة دوليا وإقليميا كما باقي الدول المعنية بالأزمة في لبنان، ليتضح ان الرهان على ضغوطات إيرانية على حزب الله غير واردة على الإطلاق، في حين أن العلاقات بين طهران ودمشق اوثق من أن يؤثر فيها شيء، لتظهر بوضوح من جديد خطوط المحاور السياسية الإقليمية.
الحسم المنتظر في لبنان، لا يعني بالضرورة استخدام الشارع، كما يحلم البعض، لأن عناصر انهيار الأوضاع شاخصة في أداء حكومة الحريري الإبن الأولى، في حين أنه لن تكون ثانية إلا ضمن معايير جديدة، بعيدة من الصفقات والتسويات، التي لا تسمح بوجودها ظروف الفريق الآخر، وهو ما تأكد مرتين، الاولى في خطاب السيد نصرالله في عاشوراء، والثانية في كلام السيد المرشد في طهران.
تعليقات