خطاب فصل.. لا يراهم!؟
خطاب فصل.. لا يراهم!؟
البناء / २० كانون الأول / 2010
محمد شمس الدين
لم يستطع احد من السياسيين أو المحللين الوقوف على الأسباب الحقيقية للتبريد المفاجئ الذي خرجت به قوى 14 آذار وتحديدا فريق الرئيس سعد الحريري في الايام القليلة الماضية، وخصوصا بعد الخطاب الشديد والحاسم للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى عاشوراء، والذي أكد فيه على الثوابت الاستراتيجية التي يسير حزب الله باتجاهها. غير أن المواقف التي واكبته من بعض شخصيات حزب "المستقبل"، رأت فيه ما اعتبرته إيجابيات لكن نبرته كانت عالية وفقا لما يحتاجه جمهور السيد وحزبه، دون الوقوف بشكل فعلي على مضمون الخطاب الذي يعتبر الأكثر حسما في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لأنه يأتي في لحظة حاسمة جدا ودقيقة وخطيرة مليئة بالضغوط الهائلة التي يتعرض لها الحزب والسيد نصرالله شخصيا.
ما قاله هؤلاء عن ايجابيات قصدوا فيها بحسب توضيحاتهم، بأن السيد نصرالله لم يتطرق الى الحديث مباشرة عن "قوى 14 آذار"، ولا هو ألقى التهم على الفرقاء اللبنانيين بل حصر كلامه في ما اعتبروه الشأن الخارجي، الأمر الذي يدل بما لا يدع مجالا للشك بأن تلك المواقف لا تنم عن فهم لما يجري من أمور على الساحة الإقليمية والدولية، ولا هم قادرون على فهم ما حصل تحديدا ما بعد العام 2006 التاريخ الذي تحولت فيه الاتجاهات في الصراع الدائر، كما لم يفهموا على الأرجح بأن عقارب الساعة لن تعود الى الوراء مهما بلغت التهديدات التي قاموا بتسويقها على أكثر من مستوى وصولا الى استغلال جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومحكمتها الدولية لإلغاء مفاعيل تلك التحولات، والتي بحسب الظاهر من مسار الأمور هي متجهة حكما الى الحصول، بالرغم من التأخير والعراقيل التي وضعت في طريقها لا سيما لبنانيا، حيث عملت السلطة التي تشكلت بعد الـ 2005 على محاولة تحقيق هذا الهدف الذي يخدم مباشرة العدو "الاسرائيلي"، الذي ما زال غارقا في لملمة تداعيات خساراته المتتالية أمام المقاومة في لبنان وصولا الى حد شعوره بالتهديد الوجودي.
ما حدده السيد نصرالله في خطابه من نقاط استراتيجية، يتسطيع كل فرد من مئات الآلاف الذين تجمعوا في الساحات في يوم عاشوراء ان يفهمه جيدا، مما يوجب الاستنتاج بأن فريق المستقبل الذي يعمل في "الشأن العام" ويتولى مسؤولية الناس الذين يمشون وراءه، يعلم بأن رؤيته للإيجابيات في كلام الامين العام لحزب الله إنما هو ذر للرماد في العيون، وهو احساس بالخسارة الفعلية واعتراف بها، خصوصا وأن "قرارهم" المنتظر من المحكمة الدولية لم يصدر (كما كانوا يتمنون)، وهو قد تأجل على الأرجح الى وقت ولو كان قريبا بحسب التسريبات، إلا أنه يخضع حكما لعملية التسوية السياسية التي تحصل بين سورية والمملكة العربية السعودية بشخص ملكها عبدالله بن عبد العزيز، الذي كان أكثر الحكام واقعية باعترافه بأن محاولات السيطرة على الموقف بعد الـ2006 قد فشلت فشلا ذريعا، وأنه لا يجوز الاستمرار في رهن المنطقة بشكل دائم لفشل متكرر، وأنه علينا أن نتجه الى ايجاد التسوية الملائمة دون حرج وهو ما فعله الملك تجاه سورية منذ قمة الكويت في العام 2009.
قوى 14 آذار التي افتقدت وجودها في خطاب الأمين العام لحزب الله، حاولت من خلال هذا التفقد أن توجد نفسها، وهي تعلم أنها لا يمكن أن تكون موجودة عندما يبلغ الكلام هذا المستوى الاستراتيجي حيث لا مكان لها فيه، وإلا فلتنبري الى شرح موقفها من قضية الصراع مع اسرائيل ونظرتها الى فلسطين وموقفها من الاستيطان والقدس التي لا يملك قرارها إلا الله، بحسب اعتقاد المسلمين والمسيحيين المؤمنين في العالم وليس في لبنان فقط. وللتذكير فإن الراحل ياسر عرفات صاحب القضية الفلسطينية الأول قد عبر أكثر من مرة خلال مفاوضاته من "أوسلو" حتى آخر الجولات التي خاضها الى حين مماته، بأنه لا يملك حق التصرف بالمدينة المقدسة.
ما خرج به نواب "المستقبل" من شعور بالايجابيات، ليس سوى استجابة للجهد الذي يبذله الملك السعودي حتى خلال معاناته مع المرض في مكان استشفائه في الولايات المتحدة، حيث يواجه أيضا الضغوط الأميركية بواقعيته ومنطقه وهوالمعترف بفشل ما كانوا يخططون له، وبعد ما كان قد سلّفهم مشاركته في فترة سابقة، ما يقوي حجته حيال ما يصبو اليه الآن من تحقيق للإستقرار، في حين أنه قادر على إصدار "حكمه الملكي" وليس "قراره الظني" في قضية الحريري، إن لجهة "ولاية الدم" أو لجهة "دفع الدية" المنصوص عنها حتى في "الأحكام الشرعية"، عن الذين نفذوا عملية الاغتيال واستفادوا منها خلال السنوات الأربع الماضية لكنهم لم يفلحوا في تحقيق النتائج.
يبقى أن ما قاله السيد في خطابه، إنما يتجاوز دائرة الأحداث الداخلية وما يجري فيها وحولها من نقاشات وتجاذبات، ليؤكد على أنه قرر العمل بمفاعيل الانجازات التي حققتها المقاومة خلال أكثر من خمسة وعشرين عاما مضت، وأنه لا مجال اكثر للانتظار أو التسويف وإعطاء الفرص لغير مستحقيها.
تعليقات