بين "ويكيليكس" واغتيال الحريري؟!
بين "ويكيليكس" واغتيال الحريري؟!
البناء/ 2 كـانون الأول/ 2010
محمد شمس الدين
إذا صح ما كشفته وثائق "ويكيليكس" العربية واللبنانية، وتحديدا ما نقلته عن الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز ورئيس الحكومة سعد الحريري، فإن مواقفهما الأخيرة حيال الجمهورية الإسلامية إنما تعكس امرا واحدا، وهو أن إيران استطاعت التخلص من كافة الضغوط التي مورست عليها منذ أكثر من عشر سنوات على خلفية ملفها النووي كحالة معلنة، وعلى خلفيات أخرى لا تنفصل عن كونها الدولة الإسلامية الشيعية الوحيدة في العالم.
الجهود التي يبذلها الملك عبدالله حاليا حيال معالجة ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بما تحمله من معان خلافية بين المسلمين من السنة والشيعة، تعبر عن مدى استيعاب الملك لفشل كل المخططات التي وضعت من أجل ضرب إيران للحد من نفوذها المتنامي في المنطقة، وما لذلك من تأثير مباشر على حزب الله في لبنان، الأمر الذي يمكّن - في حال حصوله - من تغيير قواعد اللعبة التي يتحكم بها حزب الله في لبنان وانطلاقا منه، باتجاه رسم السياسات الاستراتيجية لمعظم دول القرار العربي في القضايا الأساسية التي يواجهونها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وما يتعلق بها من مشاريع للتسوية تم عرضها في اكثر من مناسبة ولم تفلح في إيجاد مكان لها حتى الآن.
ما يشير اليه مضمون الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس أيضا، هو أن مجمل ما حصل على الساحة اللبنانية من محطات بعد العام 2005 وتحديدا تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إنما يندرج ضمن مشروع واحد تم ترتيبه بعناية بهدف ضرب المحور الإيراني - السوري – اللبناني، عبر إضعاف النظام في الجمهورية الإسلامية بهدف تغييره، الى إسقاط النظام في سورية وصولا الى ضرب حزب الله، علما أن تحقيق اي خطوة من هذه الخطوات سيؤدي حكما الى تحقيق الأهداف الثلاثة مجتمعة، لكن ما أقرته الدول المعنية صاحبة المشروع بداية، هو التوجه مباشرة الى إسقاط النظام في سورية عبر إجبار الأخيرة على سحب قواتها من لبنان بموجب القرار 1959 الذي صاغته فرنسا جاك شيراك بالاتحاد مع الإدارة الأميركية في زمن بوش الإبن، في حين أن النقاش ما زال دائرا حول مدى مشاركة الحريري الأب في صياغته أو وضع مسودته أو حتى الإطلاع عليه، الأمر الذي لم يؤكده أو ينفيه أي من المطلعين على تفاصيل هذا الموضوع، كما لم تشر الوثائق التي تنشر يمنة ويسرى الى ذلك لا من قريب ولا من بعيد، علما أنها طالت أكثر محاضر الجلسات سرية على مستوى العالم.
مصادر "متقاعدة" في الاستخبارات الفرنسية واكبت حقبة شيراك رفضت الكشف عن اسمها، كشفت أن الحريري فعلا لم يشارك في صياغة القرار الدولي رقم 1559 بشكل مباشر، لكن ما توفر لها من معلومات أكد بأن الحريري هو من صارح الرئيس الفرنسي في حينه "بأنه من غير المعقول أن ننشد أي تغيير على الساحة اللبنانية بوجود القوات السورية وسيطرة دمشق على مفاصل الحياة السياسية في لبنان"، مشيرة الى "أن الحريري قد شكى أمام شيراك من فشل كل جهوده التي هدفت الى تطويع القرار السياسي بسلطة المال، التي كان الحريري قد اعتبرها العامل الوحيد الذي بامكانه توظيفه لقلب المعادلات، وهو الأمر الذي نصح به أيضا نائب الرئيس السوري في ذلك الوقت عبد الحليم خدام، الذي كان الحريري يعول على رأيه باعتباره خبيرا في الشأنين اللبناني والسوري على حد سواء".
وقالت المصادر الفرنسية "إن النقاش بين الحريري وشيراك قد تطرق الى مدى خطورة طرح فكرة الانسحاب السوري من خلال قرار دولي، بعد فشل الرهان على ما كان الحريري تعهد به دوليا منذ اللحظة الأولى لطرح توليه رئاسة الحكومة اثناء صياغة وثيقة الوفاق الوطني اللبناني في الطائف، كجزء من مشروع متكامل حصلت السعودية على مباركته أميركيا وإسرائيليا لتسهيل مهمة الحريري وإعطائها المهلة الزمنية الكافية للتنفيذ، إلا أن الرئيس الفرنسي الموظف لدى الحريري المموِل الرئيسي لحملته الانتخابية في الولاية الثانية في العام 2002، قد تلقف الفكرة وتعهد بتسويقها لدى الأميركيين والإسرائيليين باعتبارها المدخل الرئيس لقلب المعادلة في المنطقة انطلاقا من لبنان. غير أن المخاوف التي طرحت وناقشها الرجلان قد لحظت امكانية استغلال هذا العامل من قبل واشنطن وتل أبيب اللتان انعطفتا باتجاه مشروع اكبر فرضه غزو العراق عام 2003 مما يُصعّب من السيطرة والقدرة على ضبط مسار تطبيق الفكرة، وقد تجلت الانعطافة بحسب المصادر بتنفيذ اغتيال الحريري لاحداث زلزال يسهل تطبيق الـ 1559 ويغير المعادلات.
ما كشفته المصادر الفرنسية جاء في إطار التعليق على الكلام الذي اطلقه رئيس الحكومة سعد الحريري اثناء زيارته الأخيرة الى إيران وما برز فيها من تحول في الموقف تجاه الجمهورية الإسلامية، لتشير الى ان الحريري الإبن الذي يبدو حائرا في تموضعه، لم يعبر من خلال ما قاله في طهران عن قناعاته الشخصية وإنما قال ما فرضه المقام، في حين أن الحريري يرفض أو هو لا يستطيع الإقرار بأن المعارك التي خاضها منذ أن تولى المسؤولية بعد اغتيال والده وقبل تسلمه رئاسة الحكومة قد باءت بالفشل، على عكس الملك السعودي عبدالله الذي بلغ حد الإقرار بخسارة الرهان على مشروع السيطرة الذي فرضه الأميركيون والإسرائيليون، والذي انطلق من العراق وأوحى بأنه بات على أنظمة المنطقة أن تخضع من دون اي اعتراض. ولفتت المصادر الفرنسية نفسها الى أن الحريري يقف في نقطة تجاذب كبرى بين منطق الملك الذي يسعى الى تلقف تداعيات الخسارة بتقديم بعض التنازلات على مذبح التسوية المرتقبة للمحكمة الدولية، وبين الوعود الأميركية له بامكانية تحقيق المستحيل من خلالها، وجعله آخر السلاطين وأول الملوك الجدد في المنطقة، دون أن تغوص معه في معرفة من قتل والده ولماذا قتل ومن له القدرة على تنفيذ ذلك.
بين وثائق ويكيليكس المنشورة وما قالته المصادر الاستخبارية الفرنسية ثمة تقاطعات كبيرة، لا سيما وأن ما نشر في صحيفة "أودناكو" الروسية حول سيناريو جديد لاغتيال الحريري لا يستطيع تنفيذه إلا جهة بعينها كشفه فرنسي ايضا، ليبقى لبنان أسير محكمة مهمتها على ما يبدو استصدار حكم إسرائيلي باعدام هذا البلد.. انتقاما.
تعليقات