حزب الله: التسوية المعطيات.. والتحقيق
حزب الله:
التسوية والمعطيات.. والتحقيق
البناء 7 كانون الأول 2010
محمد شمس الدين
الخلاف الظاهر حول توقيت إعلان التسوية التي يجري الحديث عنها، وتعمل عليها كل من الرياض ودمشق، إنما برز في الآونة الأخيرة دون معرفة مضمون هذه التسوية أو الصيغ التي رست عليها. في حين أنه بين الإعلان عنها قبل القرار الاتهامي، وهو ما يطالب به حزب الله ويصر عليه، وبين من يريدها بعد ذلك القرار وهو أيضا ما يصر عليه رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه، يسير المطلبان في خطين متوازيين لا يلتقيان أبدا، على الأقل في المدى المنظور، حيث أن مضمون التسوية وفعاليتها ما قبل صدور القرار الاتهامي هو غيره ما بعد ذلك. فـ»حزب الله الذي علم بمضمون قرار المحكمة، وعمل جاهدا طيلة الفترة الماضية على تجنب إصداره، من خلال النصح والتوضيح والإضاءة على معظم جوانب الاستغلال الدولي و»الإسرائيلي» لمفاعيل هذا القرار، إنما يريد أن يبعد لبنان عن الرهانات الخارجية بجعله ساحة مفتوحة للتجاذبات، وصولا الى المس بالاستقرار الوطني عموماً، إما من خلال ما سيشكله الاتهام من سيف مسلط دوليا، يوضع بيد المحكمة الدولية والأمم المتحدة ظاهرا، بموجب الفصل السابع، وبيد الولايات المتحدة و»إسرائيل» باطنا، أو من خلال تحريك الفتن الداخلية، عبر الأطراف الذين يراهنون على الولايات المتحدة، وبالتالي فهم لا يستثنون العامل الإسرائيلي من رهاناتهم.
بغض النظر عمن قتل رفيق الحريري، فإن حزب الله لن يقبل بأن تحقق إسرائيل من خلال المحكمة الدولية، ما عجزت عنه في الحروب التي شنتها على لبنان بهدف ضرب المقاومة فيه باعتبارها «مخربة» مشاريعها «للتسوية» في المنطقة، كما لن ترضى الدول المعروفة بالممانعة اطاحة انجازاتها التي حصلت عليها بفعل تماهيها مع خط المقاومة، وصولا الى سلام عادل وشامل مبني على عودة الحقوق واللاجئين وليس اقل من ذلك بالرغم من كل الضغوط التي تتعرض لها، لتصبح التسوية التي تسعى اليها المملكة السعودية وسورية حول الوضع في لبنان صعبة جدا، لأنها محكومة بهذه المعايير، فالمطلوب بحسب حزب الله، هو رأسه وسلاحه، وليس معرفة من قتل الرئيس الحريري عام 2005 لأنه معروف جيدا بالنسبة اليهم، فهم من أراد هذه الجريمة، مدخلا الى زرع الفتن في لبنان والمنطقة لإجهاض الانتصارات التي حققتها المقاومة ضد إسرائيل، وما كان لها من انعكاسات طالت البنية الاجتماعية والسياسية للمجتمعات العربية برمتها، بعدما كانت الاحتلالات «الإسرائيلية» والإميركية التي مورست من عشرات السنين قد طالت عقول وآمال تلك المجتمعات.
يقول حزب الله، إنه بالاضافة الى امتلاكه الخيارات المفتوحة، في مواجهته القرار السياسي باتهامه، والذي يحاول العالم استصداره عبر المحكمة التي شكلها للتحقيق في جريمة هو من ارتكبها، فإن أجهزة الحزب تمتلك أيضا مزيدا من المعطيات حول الجريمة، وطريقة تنفيذها، وهي معطيات تتجمع لديه تباعاً، لأنه لم ولن يترك التحقيق تتحكم به العوامل السياسية الدولية وما تشتهيه منه «إسرائيل» تحديدا، ويعتبر أن الوقت لم يحن بعد للكشف عما يعلمه على هذا الصعيد، مشيرا الى أن الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها لن تنجح في رمي ما يملكه مجانا، وهو يعتمد بذلك الأسلوب نفسه الذي اعتاد ممارسته في قضية صراعه مع «الإسرائيليين» منذ ما يقارب الثلاثة عقود، مؤكدا ما قاله الأمين العام لحزب الله في خطابه الأخير قبل اسبوعين لمناسبة تخريج طلاب، من أنه مرتاح جدا، في رد على ما يسوق عنه من خوف ومخاوف.
ما يرتكز إليه حزب الله في ارتياحه هو مجموعة من المعطيات الحقيقية، كما عوّد الجهات التي تعاملت معه في العمل السياسي والميدانين الأمني والعسكري، وهي معطيات، بحسب مصادره تشارَك في تجميعها مع دول معنية وغير معنية بهذه القضية في المنطقة والعالم، بدأت بملف شهود الزور، ولن تقف عند حدود ما نشر في وسائل إعلام عالمية، خصوصا حول فرضية الاغتيال من الجو بصاروخ ألماني معدل، وهو الخيط الذي تم تسريبه بعد مرور الأيام الأولى أو ربما الساعات الأولى على وقوع الاغتيال، وتمسك به حزب الله وما زال يتتبع «أطواله» في اتجاهات متعددة، الأمر الذي كشف صيغته الأولى الأمين العام السيد نصرالله، من خلال القرائن التي قدمها في مؤتمره الصحافي الشهير والمدوي، في آب الماضي، في حين أن الانعكاسات السياسية والأمنية لدى الدوائر المعنية على القرائن، التي رصدتها أجهزة الحزب ووثقتها في لبنان والخارج، لا تزال أيضا طي الكتمان، وسيتم الافصاح عنها في الوقت المناسب، وهي ايضا تتضمن قرائن على القرائن، يمكن الاستناد إليها، لأن بعض الجهات قد تدخلت بعدها لتصويب عمل التحقيق الدولي، لتجنب إثبات بعض ما كشفه السيد من معلومات.
بين الإعلان عن تسوية قبل صدور القرار أو بعده، تبقى المسافة شاسعة بين الفريقين المعنيين، لا سيما وأن فريق الحريري في الخارج، كما في الداخل، ما زال يلعب لعبة تقطيع الوقت بحسب التعليمات الأميركية، من دون الأخذ بعين الاعتبار، أن لا الأميركيين ولا حتى «الإسرائيليين» قادرون الآن على الدخول في مواجهات غير محسوبة النتائج، لفرض أمر واقع على الأرض، وهذا ما تثبته الأحداث على امتداد المنطقة، ما يفقد «الداخل» رهاناته، في حين أن قدرات ذلك «الداخل» قد حسبها الفريق الآخر بدقة متناهية، وقد جرى الاستعداد لها على المستوى العالي، وليس المنخفض، آخذاً في الاعتبار كل ما يمكن أن يطرأ من مفاجآت.
يعتبر حزب الله أن عليه أن يبقى هادئا ولا يجب أن ينجر الى الأماكن التي يريدونه أن ينجر اليها، ولو طال الوقت، فهو أيضا يحتاج اليه، ليستكمل باقي خطواته على مستوى التحقيق والاستعداد، وهو يشير الى أن ما آلت اليه الأوضاع في لبنان، من تعطيل للمؤسسات، إنما يقع على عاتق رئيس الحكومة الهارب دوما من تحمل مسؤولياته، وهو وحده من سيتحمل تبعات هذا التعطيل، سياسيا إداريا وحتى شعبيا.
تعليقات