الأزمة بين التسوية والحل
الأزمة بين التسوية والحل
البناء – 9 كانون الأول - 2010
محمد شمس الدين
بات من المؤكد أن المساعي السورية - السعودية لحل الأزمة في لبنان تتعرض لكثير من الضغوطات الأميركية بهدف عرقلتها، وعدم تمكينها من الوصول الى القواسم المشتركة، على اعتبار أنها فيما لو حصلت، فإنها ستسحب أهم ألأوراق من يد الإدارة في واشنطن لإعادة التوازن الى السياسة الأميركية في المنطقة بعد اختلالها بفعل الفشل "الإسرائيلي" في حرب لبنان الثانية سنة 2006.
بين التسوية أوالحل يقول مصدر سياسي مقرب من حزب الله، إن دمشق تعمل وتضغط على المملكة العربية السعودية من أجل تجاوز مبدأ التسوية المرحلية باتجاه ترسيخ حل كامل لمسألة المحكمة الدولية، وأن قناعة كاملة لدى الملك قد تشكلت على هذا الصعيد، لكن ترجمة هذا الأمر ما زالت دونها عقبات كثيرة أولها أن فصل الوضع الداخلي اللبناني عما تريده الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" يبدو أنه مستحيل في ظل تطابقه مع ما تطالب به اطراف لبنانية من حلفاء سعد الحريري حليف السعودية، ما يجعل من أي تسوية أو حل سببا مباشرا في تمزيق ما بقي من تحالفات داخلية يحاول الحريري الإبقاء عليها تحصينا لموقعه السياسي في لبنان، وهو ما يؤكده أداؤه في قضية شهود الزور التي آثر تعطيل البلد على أن يلجها أو حتى يمسها لأنها تمس حلفاءه في الداخل بالدرجة الأولى، قبل توريط حلفائه من الخارج وفي مقدمتهم عراب الملف اللبناني في الادارة الاميركية جيفري فيلتمان، الذي لم يتضح حتى الآن ما إذا كان قادرا على تنفيذ وعده باستصدار القرار الظني أو الاتهامي خلال الشهر الجاري كجزء من "عيديته" الى اللبنانيين.
يصر حزب الله حسب المصدر السياسي نفسه، على رفض التسوية لأنها تأجيل للحل وإطالة لعمر الأزمة، وهو يسير بثبات باتجاه إسقاط المحكمة الدولية بشكل كامل وإعادة ملف التحقيق في اغتيال رفيق الحريري الى القضاء اللبناني، بعد تنقيته من الشوائب التي تسوده، فقد قطع حزب الله شوطا كبيرا باتجاه تحقيق هذا الهدف ما يجعل من الخطأ تراجعه عن هذا المطلب، لأن ذلك يشكل خطرا على مسيرته بشكل عام بعدما تبين أن "الموسى قد وصلت الى الذقن" بحسب المثال الشعبي، وهو ما كشفته المعلومات المسربة عبر وسائل الإعلام الأجنبية حول مضمون القرار الظني، وأكده الأمين العام لحزب الله في خطابه الأخير بناء على معلومات وضعت بتصرفه بوسائط متعددة.
ما يحكى عن تنازلات على الحزب أن يقدمها تكون بمستوى مطلبه بإسقاط المحكمة كجزء من صفقة تنازلات متبادلة، فإنها لن تصل حكما الى ما يرضي طموحات الأطراف المطالبة بذلك، فالمقاومة التي تعرف أن هدف المحكمة هو انهاؤها وتقديم سلاحها على مذبح "لاهاي" لن تقع في هذا الفخ، كما أن هذا المطلب بحد ذاته من قبل المراهنين عليه إنما يعبر عن غباء مطلق في مقاربة القضايا المطروحة على الساحتين الدولية والإقليمية، كما يعبر عن خفة في النظر الى قضية اغتيال الحريري وما يمكن للمحكمة أن تحققه لها. في حين أن التلويح بأن التسوية المرتقبة او التي يجري العمل عليها ترتكز على ضبط ردة فعل حزب الله على القرار الظني بعدم لجوئه الى استخدام سلاحه في الداخل، إنما يستخدم للتعمية على ما طرحته دمشق في مسعاها المؤكد مع السعودية، والقاضي بانهاء المحكمة لمصلحة الاستقرار وليس العدالة مقابل الاستقرار كما يروج، لأن فيها تهديدا للأمن القومي العربي وليس لأمن لبنان فقط.
غير أن معادلة الغاء المحكمة مقابل منح السلطة بشكل كامل لسعد الحريري وفريقه السياسي، كتعويض عما لحق به من أضرار جراء اغتيال والده، وتبييضا لوجهه امام مناصريه وعائلته على حد سواء، منعا للخسارة الكبرى على المستويين السياسي والاقتصادي، فإن المصادر السياسية المقربة من حزب الله تؤكد على وجوب أن يستحصل الحريري على هذه المطالب من قاتل أبيه مباشرة، وأن ليس على الشعب اللبناني بكامله، أو بقسم منه، أن يتحمل مسؤولية ما يعوض على الحريري شعوره بالخسارة، خصوصا وأن لبنان قد دفع اكثر مما يحتمل نتيجة السياسات العمياء التي مارسها آل الحريري منذ اتفاق الطائف الى الآن.
يبدو أن حزب الله مصمم على المضي في اسقاط المحكمة بكل الوسائل المتاحة، وأبرز دليل على ذلك المؤتمران الصحافيان اللذان فند فيهما بطلان دليل الاتصالات الذي سُرِب بأن المحكمة الدولية تستند اليه في قرارها الظني او الاتهامي، وما أعلنه تاليا عن أصل عدم قانونية المحكمة مستندا الى عدم دستورية إنشائها مستدلا بشرح قانوني واف على ذلك، ما جعل منهما حجة على المتمسكين بخيارها ولو على حساب التضحية بالبلد.
ماذا يمكن أن يكون المخرج بين نظرية التسوية ومطلب إنهاء المحكمة الدولية، وليس إقفال قضية التحقيق في اغتيال الحريري التي يحرص حزب الله على متابعتها بعيدا من تصفية الحسابات؟، وما هي المساحة التي يعمل فيها المسعى السعودي - السوري وماذا بقي منها، في ظل الحديث عن قرب حسم الخيارات المفتوحة أمام حزب الله لصد الهجمة الدولية عليه في آخر فصولها، عبر محكمة مجلس الأمن الدولي؟...
تعليقات