إلغاء المحكمة.. خيار الحسم

إلغاء المحكمة.. خيار الحسم
البناء 13 كانون الأول  2010
محمد شمس الدين
الرسالة التي وُجهت الى اللبنانيين من اكثر من قيادي عربي حول ضرورة الاتفاق في ما بينهم كمدخل لحل الأزمة القائمة في لبنان، والتي تستفحل يوميا، إنما يؤشر الى أن الجهود المبذولة على مستوى الدول لا سيما العربية منها، لم تفلح في التوصل الى صيغة مشتركة تلزم الأفرقاء في لبنان باعتماد نهج معين لتجاوز محنة المحكمة الدولية. هذه المحكمة وضعها حزب الله في خانة الملغاة حكما، بعد المؤتمر الصحافي لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الذي فنّد فيه أسباب بطلانها لأنها بنيت على باطل من الأساس، لتجاوزها الدستور في الصياغة اللبنانية لها، وبعد كلام نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الذي أكد على ذلك بشكل صريح وواضح، لتبلغ الأمور نقطة اللاعودة في التجاذب السياسي القائم بين الفريقين حولها.
لقد حدد حزب الله الهدف هذه المرة متجنبا اللغة الديبلوماسية التي اعتمدها طيلة الفترة الماضية، في محاولة لعدم كسر الجرّة مع الفريق الآخر، الذي كان يضغط باتجاه دفعه الى مواجهة غير محسوبة والنزول الى الشارع، لكن حزب الله قد وعى أهمية الخطوة التي يحاولون جره اليها على الأقل من ناحية التوقيت، إذ أن الحزب لم يلغ من حساباته أي إجراء تفرضه مواجهة المحكمة، محتفظا لنفسه بحق تقرير حجم الخطوة وتوقيتها.
فالدعوة التي وجهت لانعقاد مجلس الوزراء خلال الأسبوع الجاري، لم تؤكد مصادر حزب الله إذا ما كانت ستعقد، وهي اعتبرت أن رئيس الحكومة سعد الحريري إنما يحاول من خلال ما سَوّقه من استعداد لمناقشة قضية شهود الزور بعدما عطل انعقاد الحكومة لاسابيع متتالية تعطلت معه المؤسسات والبلاد، أن يسترد زمام المبادرة في الوقت الضائع، ريثما يكون القرار الاتهامي قد صدر على عكس كل التسريبات التي تشير الى أن تأجيل إصدار القرار بات محسوما الى شهر آذار المقبل، في حين أن المعلومات المتوفرة تؤكد عكس ذلك، وفي كلتا الحالتين، التأجيل أو الصدور المبكر، فإن ذلك لم يعد يعني حزب الله الذي باتت استراتيجته حيال المحكمة معروفة وواضحة.
وفي هذا السياق تساءلت المصادر عن معنى أن يوافق الحريري مرة أخرى على مقاربة ملف شهود الزور والجديد الذي سيقدمه على هذا الصعيد. وقد رفض احالة الملف على المجلس العدلي ومنع القضاء العادي حتى من تولي مهمة متابعته، ليعود ويبدي استعداده لوضع ذلك الملف على رأس جدول الأعمال فقط من أجل النقاش «الذي لم يعد له مكان»، فالجلسة التي دعا الحريري اليها، تندرج في إطار تلبية حاجته للخروج من مأزق الجمود وتعطيل البلد، و«تنازلاته» التي تعمل وسائل اعلامه على تسويقها إنما هي لذر الرماد في العيون، في ظل عدم الاستعداد لمناقشة أصل وجود المحكمة الذي بات سقفا للشروط التي يضعها حزب الله، فبعد صدور القرار الظني لن يعود بإمكان أحد رفض مضمونه إذا كان يتهم عناصر من حزب الله، منضبطة كانت أو غير ذلك، خصوصا وأن لعبة التلطي وراء انتظار القرار لم تنطل على أحد، كما لن تفلح محاولاتهم الآن للإلتفاف بهدف انتظار صدور القرار.
السؤال يدور حاليا حول التأخير في إصدار القرار رغم جهوزه، وهو إذ صار «قريبا جدا» فإن السقف الذي وضعه حزب الله لأية تسوية، وهو الغاء المحكمة، يجب أن يسرّع في صدور القرار ويحسم التردد في إصداره، باعتبار أن التفاوض على أي أمر دون ذلك السقف صار مستحيلا، وهو الأمر يعني أن حزب الله يمسك بشكل محكم بزمام المبادرة وهذا ما يدل فعلا على استعداده لمواجهة كل الاحتمالات التي قد تنجم عن القرار الاتهامي داخليا، وحتى على مستوى رد الفعل الدولي الذي قد يترجم بتحرك «اسرائيلي» ما. وهذا يعني أيضا، أن حزب الله بات قادرا على التأثير في توقيت صدور القرار الذي يبدو أنه يريده اليوم قبل الغد، ليقدم على تنفيذ خطواته باتجاه تغيير الأوضاع برمتها.
هل صارت ساعة الحسم قريبة؟.. تجيب المصادر في حزب الله: ان أوضاع البلد لم تعد تحتمل ما يجري من تجاذبات سببها الأساسي ما تبديه المعارضة وحزب الله من صبر، بهدف التلاقي مع الطرف الآخر والإفساح في المجال أمامه للتنصل مما هو متورط فيه من ارتهان لبعض الدول، التي تريد أن يكون لبنان دائما في خدمة مشروعها وتحت سلطة عصا التأديب «الإسرائيلية»، وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية التي لوحت مرة أخرى بالـ 1559 من خلال لقاء وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مع تيري رود لارسن، وهذا ينبئ بأسوأ العواقب، حيث الرهانات اللبنانية قد بلغت حد انتظار تدخل العامل «الإسرائيلي» مباشرة، أو من خلال مسميات مختلفة أبرزها ذلك القرار وتاليا المحكمة الدولية. وعليه فإنه لا بد من خيار الحسم، لأن السكوت أكثر قد يدخل البلد في متاهات جديدة قد لا تناسب مشروع المقاومة في لبنان وفلسطين، وتذهب بما تحقق من انجازات خلال السنوات الماضية على امتداد الساحة العربية. في حين لن تنجح بحسب المصادر نفسها، محاولات الالتفاف مرة أخرى على هذا الخيار لا من خلال جلسة مجلس وزراء ولا من خلال أية ضغوط خارجية. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار