قانون قيصر.. بدء التنفيذ أم الخروج؟!

اندلعت الحرائق.. استفاق الناس على رائحة الحريق وهدير طائرات الأباتشي الأميركية تحلق على علو منخفض وترمي بالونات حرارية على الحقول.. الصراخ علا بين الأهالي "القمح يحترق". هذا ما فعله الجنود الأميركيون في أكثر من قرية سورية في ريف الحسكة جنوب - شرق البلاد يوم الجمعة في 22 أيار الجاري، كما كان الأميركيون قد نفذوا قبل ذلك الفعل ذاته في قرى درعا والسويداء جنوبها.

إنه أمر مباشر من الرئيس الأميركي دوناد ترامب بإحراق حقول ومحاصيل القمح في سورية ما يهدد الأمن الغذائي للشعب، في أبشع ممارسة لا إنسانية على الإطلاق. "قرار بالتجويع".. هكذا يمهد ترامب الطريق قبل بدء تطبيق "قانون قيصر" في الأول من حزيران أي بعد غد الثلاثاء، والذي صادق عليه الكونغرس لفرض أشد العقوبات على سورية.

هي مرحلة جديدة من الحرب "الكونية" ستدخلها سورية بعدما أنجزت تحرير معظم أراضيها من سيطرة التكفيريين عليها في أشرس هجمة قد تتعرض لها دولة في المنطقة وربما في العالم. غير أن هذه المرحلة تشكل المواجهة مع "الأصيل" بعدما انهزم "الوكيل" واندحر. فقد أعادت القوات الأميركية نشر قوات لها في المناطق التي تسيطر عليها في سورية وزادت من تعزيزها كما مدت المجموعات المسلحة بالعتاد استعدادا.

ماذا يريد الأميركيون من تحصين مواقعهم في سورية بعدما كانوا قد بدأوا إخلاء مواقعهم إثر تنفيذهم عملية اغتيال قاسم سليماني الجنرال في الحرس الثوري الإيراني في كانون الثاني الماضي في العراق؟.

ما زالت الإدارة الأميركية في حساباتها الدولية تراهن على امكانية السيطرة على الوضع في منطقة الشرق الأوسط من خلال تغيير الواقع في سورية عبر إسقاط النظام فيها بالرغم من كل الخسائر التي مني بها "محورها"، فالإنسحاب من سورية يعني البداية الفعلية لتراجع الهيمنة الأميركية وليس فقط ما يوصف بأنه خسارة عدد من حقول وأبار النفط الواعدة في أكثر من نقطة ضمن الجغرافية السورية، في حين أن هذا الإنسحاب سيعجل في تمكين النفوذ الروسي تمهيدا للعب دور أكثر فاعلية على امتداد المنطقة مروراً إلى شرق العالم وتسللاً إلى غربه، كما سيعزز من دور محور إيران – سورية وتالياً لبنان الذي عاد الأميركيون لينطلقوا منه مرة أخرى في تنفيذ النسخة الجديدة من خطة الشرق الأوسط الجديد التي أول ما فشلت فيه، بعد فشل الحرب الإسرائيلية عليه في 2006، وانتقال هذا الفشل إلى سورية ناهيك عن الفشل في العراق وإيران واليمن.

كل ذلك تحاول الإدارة الأميركية التي يرأسها ترامب تنفيذه قبل الإنتخابات الأميركية المقبلة التي تصادف في الأشهر الأخيرة من العام الجاري. فالهجوم المتجدد على المنطقة وسورية ولبنان تحديدا قد يساهم بفعالية في حسم المعركة الإنتخابية لمصلحة ترامب، في حين أن الرهان الإسرائيلي على مواجهة أميركية مباشرة في المنطقة ما زال الأعلى في زمن الرئيس الأميركي الحالي لأن بديله قد لا "يندفع" إلى هذا النوع من المواجهة ضمن موازين قوى بات يقدرها كل "عاقل".

في هذا السياق فإن السؤال المركزي يتمحور حول شكل المواجهة المقبلة والتي باتت حتمية، فهل هي "حرباً كبرى" أو "صغرى" أو "معارك بين حربين" وما إلى ذلك من توصيفات قد يختلف حولها كثيرون. إلا أن الثابت هو أن الوجود الأميركي في المنطقة بات على المحك وأن قرار إخراج الولايات المتحدة منها والقضاء على هيمنتها قد اتخذ وأعلن على لسان قيادة "محور" قاتل على مدى أكثر من أربعين عاما وانتصر في حروب "كبرى" و"صغرى" وحتى "كونية" ضد أعتى قوى المنطقة والتي دخلت المواجهة من باب قوانين العقوبات الإقتصادية والمالية وسياسات التجويع والترهيب متزامنة مع أعمال عسكرية بالتقسيط.

من المؤكد أن دوائر صنع القرار في العالم ومن كل الإتجاهات تتجنب "الحروب العالمية" صغيرة كانت أو كبيرة، خصوصاً في ظل الحرب العالمية التي يشنها "وباء كورونا" الذي شلً معظم القدرات الإقتصادية للدول وفضح فشلها بالعديد من برامجها، وأنها تفضل اللجوء إلى نظرية "حصر النار" في أماكن يمكن السيطرة عليها والتحكم بإطفائها في لحظة معينة. لذلك فإن المتوقع أن تتصاعد حدة المواجهة تدريجياً بدءً من سورية إذا لم تجدي العقوبات نفعاً سريعاً يسابق الزمن، وهذا التصعيد ستكون قدرة المقاومة فيه أفعل وهو الشكل الذي نجحت من خلاله في إخراج الإسرائيليين من لبنان وزعزعة استقرارهم في داخل فلسطين المحتلة وارباك سياساتهم على امتداد العالم في حين لم تُجْدهم نفعاً سياسات بعض العرب فتح أبوابهم لهم.

الأميركيون على موعد قريب مع حروب ومعارك لم تستوعبها قدراتهم العسكرية بعد، كما لم يستوعبها عقلهم السياسي الذي يضع في أعلى سلم أولوياته الرهان على مفهوم "التسوية" و"المصلحة" في أية لحظة يريدونها، في حين أنهم لم يفهموا حتى الآن تبعات أفعالهم في المنطقة وليس آخرها اغتيال سليماني وبدء حصار "قيصري" على سورية سيضع حكماً "قَسَم" إخراجهم من المنطقة موضع التنفيذ.

   


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار