صندوق النقد.. و"سلاح" الإتفاقيات مع سورية

مفاوضات الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي التي انطلقت الأسبوع الماضي واستكملت جولتها الثانية أمس، بدأت تُظهر عقبات شتى وفي أكثر من نقطة عنوانها الأساسي فرض شروط سياسية أو محاولة ذلك حتى لا نجزم.

ما يطلبه صندوق النقد وامتداداً الى مؤتمر "سيدر" للمانحين الدوليين والذي يشارك من خلال مندوب في اجتماعات الحكومة مع الصندوق، يتلخص بمجموعة من الإصلاحات طالما جرى الحديث عنها لكن لبنان لم يستطع تنفيذها أو هو لا يريد ذلك، لكن النتيجة واحدة وهي أن الأعم الأغلب من هذه الإصلاحات ذات طابع سياسي ما يجعلها تصطدم في مكان ما برفض أحد الأطراف الأساسيين المستهدفين من تطبيقها.

العناوين الرئيسية للإصلاحات "السياسية" تتلخص بالنيل من موقع حزب الله ومقاومته بعد الإنجازات التي حققها على مدى العقود الماضية في لبنان وسورية تالياً، ومدى انعكاس ذلك على السياسات الدولية في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا موقع الإحتلال الصهيوني في فلسطين. وقد ضجت وسائل الإعلام بتفنيد الكثير من تلك العناوين كان آخرها حول ترسيم الحدود مع سورية تحت شعار إقفال معابر التهريب بين البلدين لتحصين الإقتصاد اللبناني ودورة الإنتاج فيه.

الحديث عن إقفال المعابر بين سورية ولبنان يعلم الجميع أن المقصود به هو ما يفترضون أنه يوقف شحنات الأسلحة إلى حزب الله الذي يسعى دائما إلى تطويرها بعدما أمتلأت مخازنه منها، إلا أن ذلك لو حصل على سبيل الإفتراض فإنه لن يغير بالتوازنات الإستراتيجية التي حققها الحزب من خلال المعارك التي خاضها طيلة الفترة الماضية إن لجهة الصراع مع العدو الإسرائيلي أو لجهة موازين القوى الداخلية في لبنان بالمفهوم العسكري علما أن الحزب لم يمارس هذا النوع من التوازنات إلا في ظروف محددة عندما حاولت إحدى حكومات فؤاد السنيورة المس بأمن منظومة سياسية كاملة لحساب الصهاينة في أيار 2007.

وفي هذا السياق ايضا تجدر الإشارة إلى أن تنفيذ أي خطة لما يسمى ضبط المعابر الحدودية بين لبنان وسورية لتحقيق هدف استراتيجي يأمل من يسعى إليه تنفيذ نوع من الحصار على حزب الله أو المقاومة في لبنان فإنه لن يكون واقعيا إذا ظن أن هذه الخطة قد تتمكن من الصمود ثانية واحدة ولو اجتمع الكون على استمرارها لأن الواقع على الأرض وطبيعة العلاقات التي تحكم الناس على طرفي الحدود والبيئ التي تحكمها ستكون كفيلة بإسقاط أية خطة ومعها كل أبراج المراقبة الإلكترونية التي بنيت للجيش اللبناني على أمتداد الحدود والموصولة حكما بالأقمار الإصطناعية ما يتيح لكل الأعداء والأصدقاء مشاركة الجيش كل من يجمعه من معلومات عبرها. إلا أن فكرة السيطرة الميدانية على الحدود من قبل جهات دولية ما زال حلما يدغدغ مراهنون على إمكانية تغيير الواقع أو ربما التأثير فيه بالحد الأدنى إن في لبنان أو في سورية.

كان مأمولا من هذه الحكومة التي جاءت افتراضا من خارج التوازنات السياسية التقليدية التي حكمت وجعلت من البلد مزرعة موصوفة، أن تبادر إلى تغيير طريقة تعاملها مع سورية واستغلال ذلك للحد من الإنهيار الإقتصادي والمالي ضمن خطة تشمل الصادرات الصناعية والزراعية وفتح الحدود على الأقل إقتصاديا إنطلاقا من نظرة واقعية الى حالة لبنان وظروفه وسط تطويق لبنان حدودياً من كل الجهات، كجزء من سياسة إخضاع البلد. إلا أنها لم تقارب الموضوع حتى اللحظة على الرغم من "لفت نظرها" إلى أهمية اعتماد هذا المخرج من قبل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة في إحياء الذكرى الرابعة على استشهاد القائد في المقاومة مصطفى بدر الدين.

لا بد من الإشارة هنا إلى أن لبنان يعترف أن مصلحته تتقدم على مصلحة سورية في الإتفاقيات التي وقعها الرئيس رفيق الحريري مع الحكومة السورية ضمن "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق" التي أبرمت بموجب قانون رقم 57 تاريخ 29/5/1991 والتي يبلغ عددها 34 اتفاقية، تشمل نواحي الإستيراد والتصدير الصناعي والزراعي والطاقوي، ما يؤمن للبنان مصلحة محققة لا لبس فيها، لكن لبنان لم يلتزم بتنفيذها لأسباب سياسية وهو وحده مسؤول عنها.

لا يبدو أن الحكومة اللبنانية التواقة إلى حصولها على ما يسد رمقها من أموال صندوق النقد الدولي مستعدة لولوج هذه الخطوة علما أنها تشكل ورقة ضغط كبيرة جدا في يدها وهي قادرة من خلالها أن تفتح كوة في جدار الحصار المفروض عليها وعلى اللبنانيين جميعاً. هذه الخطوة في حال تم تطبيقها بشكل مدروس وحاسم باستطاعتها تأمين عائدات تفوق ما يطلبه لبنان من صندوق النقد في المرحلة الأولى بحسب بعض الإختصاصيين ولا شك في أن سورية ستكون عاملا مساعدا بالرغم مما تواجهه من أوضاع صعبة ناتجة عن الحرب الدولية عليها في السنوات الأخيرة.

الإجتماع الثاني لوفد الحكومة مع صندوق النقد ضمن سقف الخطة المالية – الإقتصادية التي وضعتها، والذي حضره رياض سلامة بعد مقاطعته للإجتماع الأول وفق خطة مرسومة، لم يفلح في الوصول إلى رسم إطار يمكن من خلاله توقع تقديم المساعدة، لأن المناقشات تطال طلبات يعرف طالبها مسبقاً أن الحكومة غير قادرة على تلبيتها، كما أن رئيسها "الواقعي" يعرف أن ليس باستطاعته تقديمها أو حتى الوعد بتنفيذها لاستحالتها سياسياً، ولعدم امكانية تحقيقها إصلاحياً في زمن قياسي في وقت تزداد فيه الأزمة استفحالاً.

يبدو أن الرئيس حسان دياب بدأ يشعر بوجوب "التموضع" وسط "الوحل السياسي" الذي وعد بعدم مقاربته ليحقق تقدماً ما في أي من الملفات الملحة، وفي طليعتها ما يسوَق أنه تأمين استمرار "الحياة"، في حين تراجعت الملفات المتعلقة بالمصارف والمال "المنهوب" و"المهرب" من ودائع اللبنانيين والمسؤولية المستمرة لمصرف لبنان عن انهيار الوضع النقدي، ناهيك عن "الإنصياع" لمنطق المحاصصة في التعيينات وليس آخرها رفض مرشحه لمنصب محافظ مدينة بيروت.. هذا العرض يرسم سؤالاً عن الحكومة وأدائها.. ومصيرها ؟!   


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار