"الحريرية".. خطوة اضافية على طريق السقوط
تخوض الحريرية السياسية آخر معاركها الوجودية. فبعد الكلام الهستيري الذي
أطلقه سعد الحريري إثر انفضاض اجتماع رؤساء الحكومات السابقين، ها هو اليوم يقاطع
اجتماع بعبدا الذي دعا إليه رئيس الجهورية ميشال عون لشرح الخطة المالية التي
أقرتها الحكومة للتوجه بها الى صندوق النقد الدولي.
موقف الحريري الإبن و"مستقبله" محاولة واضحة لركوب "موجة"
معارضة يرى أنها قد تكون درعه الحامي من إعلان السقوط المدوي للحريرية السياسية
التي أسسها والده منذ 1990، وهو إرث ثقيل لا يستطيع أحد حمله من أفراد العائلة،
فكيف إذا كان من تصدى له لا يملك القوة الكافية "لحمل الأثقال" إذ وجد
نفسه فجأة مضطرا لخوض "المسابقة" من دون تدريب، لكن ما وضع أمامه كان
عبارة عن آلاف المليارات من الدولارات المملوكة والمسروقة والمدعومة لخوض الشأن
العام في إطار أهداف حددت له تقوم على الشحن المذهبي والطائفي ما أوصل البلد الى
بازارات ما أنزل الله بها من سلطان.
مقاطعة الحريرية السياسية لاجتماع بعبدا، تشكل هروباً من تحمل المسؤولية
ومواجهة الحقائق التي سترمى في وجهه خلال الإجتماع الذي بحد ذاته سيوجه بشكل غير
مباشر، كماً هائلاً من الأسئلة والإتهامات
الى حكومات الحريري ومن شاركه في رئاستها على مدى العقود الثلاثة الماضية، الأمر
الذي لا يتحمله "الشيخ سعد"، وهو الذي كان وجه بيادقه في
"المستقبل" لرفض تحميل الحكومات السابقة وزر ما وصلت إليه الأوضاع في
لبنان وبدء حملة مضادة في هذا السياق. كما أن الحريري لم يستطع التماهي حتى مع
لقاء طلبه موفد الرئيس نبيه بري إليه على الأرجح لإقناعه بالمشاركة، في خطوة ذكية
لتفادي تبعات المقاطعة.
لكن تداعيات عدم مشاركة الحريري ستكون أكبر عليه وعلى مستقبله، إذ لن تفسح
له مكاناً في المعارضة الواسعة إذا ما انتظمت، وهو أمر مشكوك بحصوله أيضا، إذ أن
أطرافها المحتملين كل له حساباته المختلفة، في حين أن المشترك بينها قليل جدا لا
يصلح أن يمكَن هذه الأطراف من إعلاء صوت واحد يكون له تأثيره الحاسم، في حين أن من
ينزلون الى الشارع لم يخرجوا عن كونهم مجموعات صغيرة تأتمر بأمر الحريري نفسه وتوابعه،
كما أن أدائهم لم يخرج عن افتعال التخريب لإيصال صوتهم يساعدهم دور إعلامي مشبوه
لتحقيق ذلك.
بغض النظر عن "فضائل" الخطة المالية التي أقرتها الحكومة والتي
شرحها سيكون هو موضوع اجتماع بعبدأ، وما تشكله من إحراج للحكومات السابقة وتحديدا
الحريرية منها، إلا أن ما رشح عن استعداد فرنسا لتطويع "خيرات" مؤتمر "سيدر"
في يد الحكومة الحالية سيكون الضربة القاسية على رأس تلك الحريرية السياسية التي تعتبره إنجازها المكمل للمؤتمرات الشبيهة منذ
باريس 1 إلى نهاية العد، اي منذ الحريري الأب الى الإبن وربما إلى الأحفاد، والتي طالما وضعت "الحريرية" أموال تلك
المؤتمرات بتصرف سياسات هي في الحقيقة لا تعرف غيرها، مارستها حتى أصبحت نهجاً في
لبنان وتقوم على المحاصصة وتوزيع المغانم المالية والسياسية والإنتخابية، وتعزيز
الحضور من خلال تشكيلات وتحالفات على حساب الناس ومصالحهم واستقرارهم.
لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة في موضوع الحريرية السياسية، وهي ما يشاع
عن سعي بهاء الحريري إلى التموضع ضمن حلقة السياسة اللبنانية مستفيدا من أخطاء
أخيه حتى لا نقول "غباءه" بحسب وصف الساعي وعلى ذمة الناقل، فإن هذا بحد
ذاته يؤكد على الشعور الحريري العام بقرب نهاية هذا النهج وسقوطه الى غير رجعة،
إلا أن بهاء لن يكون نموذجا مخنلفا لأنه تربى عند نفس الجهة التي بنت مشروعها في
لبنان في العقود الأخيرة على الأب المؤسس للحريرية، وهي استثمرت الكثير من خلاله
وما زالت تراهن على امكانية التعويض عبر من تبقى علها تستطيع إعادة التموضع لأن السقوط
سيكون مشتركا إن لم نقل واحداً.
إن سقوط الحريرية السياسية سيفتح الطريق حكماً على انهيار منظومات سياسية
أخرى بنت أمجادها في ذات "طريق الحرير" بعيدا عن "طريق ذات
الشوكة" التي تبنى من خلاله الأوطان، في حين أنه لا يجب أن ننتظر الكثير من
خطة الحكومة المالية إذا كانت شروط صندوق النقد الدولي سترهن لبنان لسياسات خطيرة
هدفها اخضاعه وتجريده من مقومات قوته التي لا يشكل المال الذي فقد أو الذي سيتوفر،
أي عامل من عواملها.
يجب أن تمتلك الحكومة شجاعة رفض أية شروط مذلة يستعد المقرض لفرضها خصوصا
وأنها ليست مسؤولة عن الإنهيار لكنها مسؤولة عن إعادة الحياة بما يحفظ لبنان ولا
يلغيه.