هل ألزم الأميركيون أنفسهم بتوجيه ضربة الى سورية؟!
هل ألزم الأميركيون أنفسهم بتوجيه ضربة الى
سورية؟!
البناء 29 آب 2013
محمد شمس الدين
هل ألزم الأميركيون أنفسهم بتوجيه ضربة الى سورية؟!.. سؤال قد يكون جائزاً أمام
حجم التحضيرات التي جرى الحديث عنها، وعلى الأقل الإعلامية التي انطلقت في كل الوسائل
وعلى جميع ألسنة السياسيين الدوليين المعني منهم بالأزمة السورية والبعيد عنها، إلا
أن تطورات الحرب الجارية في سورية قد تكون سبباً رئيسياً لتحريك الأسطول الأميركي تحضيراً
لقرار الرئيس باراك أوباما شن ضربة عسكرية على سورية والذي لم يتخذ حتى الآن.
تفيد المعطيات من الداخل السوري أن الجيش الذي انطلق في معركة واسعة النطاق
في ريف دمشق والغوطتين الجنوبية والشرقية وعلى مساحة ممتدة قد تصل الى 10 آلاف كيلومتر
مربع، استطاع إحراز تقدم كبير في استرجاع مناطق كاملة وطرد والقضاء على "الجماعات
المسلحة المتعددة الجنسيات" التي تقاتل بدعم "غربي – عربي – إسرائيلي"
ومنظم في تلك المنطقة، بعد اندحارها من مناطق القصير وحمص، ما يشكل انتكاسة كبرى لهم
ولمحورهم في أية مفاوضات لحل الأزمة في سورية إن في إطار (جنيف2) أو أي مؤتمر دولي
تتم الدعوة اليه على هذا الصعيد. وهو الأمر الذي استدعى استنفاراً دولياً وصل الى حد
اتخاذ التدابير اللازمة للتدخل عسكرياً ولو بضربات "محدودة" و"خاطفة"
لا تصل الى حدود وصفها بـ"الحرب" لـ"إعادة التوازن" الى ساحة القتال
بين القوات الحكومية وتلك الجماعات، ولعل هذا التعبير هو الأدق في وصف الحالة التي
هي عليها الأمور في سورية ما يؤكد أن "الميزان" العسكري هو في مصلحة الجيش
السوري الذي يعمل في إطار تكتيكات جديدة استطاع من خلالها منذ معركة القصير وبعدها
حمص، أن يوجه ضربته على الأرض، وما استتبعها من نتائج سياسية أربكت الموقف الأميركي
أساساً الى درجة التملص من أية اجتماعات كانت مقررة مع الروس لمناقشة سبل حل الأزمة
السورية.
قد ينطلق الأميركيون وبعض الغربيين في توجيه ضربة خلال وقت قصير، ولكن ليس على
قاعدة تغيير النظام في سورية كما كان معلناً سابقاً، وهو ما تم التأكيد عليه من خلال
تصريحات أميركية وبريطانية تم إطلاقها في الساعات
القليلة الماضية لإرسال رسالة مفادها أن الضربة إذا حصلت فإنها لن تستهدف مواقع استراتيجية
من شأنها تغيير "قواعد الللعبة" أو خرق "الخطوط الحمراء" المرسومة
دولياً وإقليمياً للمواجهة، وأن "الإنتظار" سيكون سيد الموقف لنتائج حسم
على الأرض قد يكون قريباً لأية جهة من الجهات المتنازعة في سورية ليبنى على الشيئ مقتضاه.
لكن الضربة التي أصبحت "شبه ملزمة" للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين
أو العرب، تندرج في إطار رفع معنويات "الجماعات المسلحة المتعددة الجنسيات"
التي تواجه أعنف واشرس هجوم منذ اندلاع الأزمة في سورية، والذي يؤدي الى تقهقرها وسقوطها
المدوي ما قد ينهي الجزء الأول من الحرب الذي سيكون جزؤها الثاني في شمال البلاد أي
في حلب.
يقول مصدر دبلوماسي غربي في بيروت إن الولايات المتحدة وبريطانيا تأخذ على محمل
الجد احتمالات الرد على أية ضربة عسكرية قد توجه الى سورية خاصة، ومن سورية نفسها قبل
تدخل أي من حلفائها لا سيما إذا شعرت دمشق بالأذى جرائها، ما سيحتم على هؤلاء الحلفاء
الإندفاع نحو فتح مواجهة لا تستطيع لا أميركا ولا بريطانيا تحمل نتائجها، مشيراً الى
أن ما قاله وزير الخارجية الروسي حول أن بلاده لن تتدخل لصالح أية جهة في أية حرب متوقعة،
كان يستند الى قدرات سورية الذاتية في الدفاع عن نفسها، وهذا ما قرأته الدوائر المختصة
لدى الحكومات الغربية المعنية والتي سارعت الى إعادة تقييم موقفها الذي انعكس متضارباً
حيال احتمال توجيه الضربة العسكرية ومستواها وما تريد تحقيقه من جرائها.
في القوانين الدولية لا يصح التدخل العسكري بمنطق نصرة جماعة على أخرى كما
يحصل حالياً في سورية، حيث تم اللجوء الى مزاعم تتعلق بالجرائم ضد لإنسانية من
خلال استخدام السلاح الكيماوي الذي لجأ اليه الغربيون أنفسهم من خلال جماعاتهم
المسلحة بعد تمريره لهم وعلى دفعات من قبل أجهزة الإستخبارات العاملة على خط الحرب
في سورية. وهو ما يشكل ذريعة التدخل وعنوانها بينما الحقيقة في مكان آخر إطارها ما
تم تداوله في اجتماعات لقادة عسكريين غربيين في ألمانيا تمت فيها مناقشة تقارير
حول تقدم الجيش السوري في ريف دمشق وتراجع كبير للمسلحين لم ينقذه تدخل ضباط
أميركيين وإسرائيليين وبريطانيين عبر قواعدهم لإدارة عمليات ما يسمى بالجيش السوري
الحر في العاصمة الأردنية عمان و"هرتزيليا"، ليكون اقتراحهم بضرورة
التدخل لإنقاذ الموقف عبر الجنوح الى شن ضربة عسكرية تصحح مسار المعارك وتعيد بعض
الأمل للمسلحين.
التقارير التي تمت مناقشتها لحظت أن سيطرة الجيش السوري على ريف دمشق يعني
أمراً واحداً وهو حسم المعركة لمصلحة القوات الحكومية التي تصبح مسيطرة على مساحة
واسعة من النقاط الإستراتيجية الممتدة من تلك المنطقة (ريف العاصمة) الى ساحل
اللاذقية مروراً بحمص وتوابعها الى المنطقة الغربية المحاذية للحدود مع لبنان ومن
دون القدرة على استرجاعها باي شكل من الأشكال بفعل الخطط التي يعمل بها الجيش، ما
يعني أن الحكومة السورية وقيادتها باتت مسيطرة بشكل كامل على مركز إدارة الدولة
خارج إطار اية تأثيرات ما يمنحها موقعاً كاملاً ومحصناً في أية عملية سياسية قد
توافق عليها وبشروطها، كما يمنحها ذلك الإستعداد لمعركة شمال البلاد التي وضعت
خططاً لها لا تقل مدة تنفيذها زمنياً عن ستة أشهر الى سنة كاملة. في حين أن
المنطقة الجنوبية المحاذية للأردن فإن لها ترتيباً اخر وضعته قيادات سورية عسكرية و
صنفته في إطار "المفاجآت".
قد تلجأ الولايات المتحدة ومن معها الى توجيه ضربة عسكرية في إطار خطة تضمن
كيفيية خروجها من مأزقها، لكن من يدري أن كانت القدرة على الخروج ستكون بنفس مستوى
القدرة على الدخول، وهو ما تعد به سورية بما تملكه من امكانات رصدتها لتلك اللحظة
ولم تتصرف بها وذلك بعلم حلفائها الذين استعدوا بدورهم للإيفاء بالتزاماتهم
تجاهها.
تعليقات