الحكومة (اللبنانية) في حسابات الحقل والبيدر
الحكومة في حسابات الحقل والبيدر
البناء 15 آب 2013
محمد شمس الدين
صدر القرار
الأميري بتشكيل حكومة أمر واقع لبنانية، كما اصطلح على تسميتها. فارتأى رئيس
المخابرات السعودية بندر بن سلطان أن الخطوة بحد ذاتها تندرج بشكل أساسي ضمن سلسلة
الضغوطات التي تمارس على حزب الله منذ إعلان فتح المواجهة المباشرة معه الذي تمثل
بانفجار بئر العبد واعتبر خرقاً أمنياً من "المستوى الأحمر" بعدما تبين
أنه كان يستهدف أحد الشخصيات في حزب الله بالقرب من مقر أساسي له في المنطقة.
الأمر السعودي
بفرض حكومة تتجاوز الإتفاق اللبناني عليها بالحد الأدنى، استند الى جملة معطيات
لعل أهمها الخرق الأمني السالف الذكر، إضافة الى تطورين بارزين في المواجهة، تمثل
الأول بالخرق "الإسرائيلي" في اللبونة في جنوب لبنان والمستند بدوره الى
قرار "إسرائيلي" بتصعيد حدة التوتر على تلك الجبهة، عبرت عنه
الإستعدادات والمناورات التي لم تتوقف طيلة الفترة الماضية والخروقات الميدانية
براً وجواً في رسالة مفادها أن الدولة العبرية باتت جاهزة لشن عدوانها الجديد على
حزب الله والذي غطاه الإتحاد الأوروبي بقراره إدراج "الجناح العسكري"
بحسب تعبيره على لائحته للإرهاب.
أما التطور الثاني
فهو الهجوم على اللاذقية في وسط سورية في محاولة لزعزعة المناطق التي تعتبر ثقلاً
اساسياً للرئيس بشار الأسد وارتكاب المجازر ضد العلويين فيها تحت عناوين مذهبية،
بالإضافة الى محاولة الإستيلاء على نقاط استراتيجية في تلك المنطقة بهدف قطع خطوط
الإمداد على الجيش السوري بعد خسارة الجماعات المسلحة شبيهاتها في القصير وحمص.
تكتمل الصورة التي
تم التخطيط لها شيئاً فشيئاً، ذلك أن التسريبات التي تفوه بها غير مسؤول دولي ركزت
بمجملها على ان الأشهر القليلة المقبلة ستشهد تصعيداً لافتاً في ممارسة كل أشكال
الضغوط على حزب الله بهدف تطويقه أولاً عبر إجباره على الإنسحاب من مشاركته في
القتال في سورية، وحصر نشاطه وجميع عملياته في لبنان ليسهل التعامل معه أمنياً
وعسكرياً من خلال ما خطط له الحلف الغربي – العربي – "الإسرائيلي"،
وصولاً الى شن تلك الحرب التي ما فتئت إسرائيل تهدد بها منذ تموز – آب 2006.
ما يعزز من من ذلك
هو تعمد الولايات المتحدة الأميركية افتعال خلاف استراتيجي مع روسيا حول سورية
تحديداً متجاوزة كل الملفات التي عادة ما تدخل في إطار الحرب الباردة بين الدولتين
والتي لم تتوقف يوماً بالرغم من كل التحولات التي طرأت على الصراع بينهما منذ عقود
طويلة، إلا أن الخلاف الأخير يندرج في إطار ما يخطط له كل طرف للتموضع في المرحلة
المقبلة البالغة التعقيد بعد الأحداث الكثيرة التي شهدتها المنطقة وفق مشروع
"الشرق الأوسط الجديد" الذي سيحدد مستقبل وخارطة ليس المنطقة وحسب، بل
ربما العالم وتقسيماته الجديدة.
أمر الأمير استند
أيضاً الى ما يملكه من عناصر في الداخل اللبناني، فهو جهز لذلك مجموعة من
الإصطفافات السياسية الموزعة في عدد من المكونات السياسية لعل في مقدمتها رئيس
الجمهورية ميشال سليمان الذي بتوقيعه يستطيع أن يخرج الحكومة الى حيز الواقع وهو
على الأرجح قد حسم خياره لهذه الناحية وقد تم التمهيد لذلك عبر جملة من التسريبات
الإعلامية والسياسية على خلفية أن البلد لا يحتمل الفراغ والتعطيل الحاصلين فيه
إضافة الى أنه من غير المسموح للحلف الغربي – العربي أن يستمر التعطيل الى حين
موعد استحقاق انتخاب رئيس جديد ما يفقد الامل بتشكيل اية حكومة من شأنها أن تقف في
مواجهة حزب الله سياسياً كالحكومات التي تولاها حزب المستقبل إن بشخص الرئيس فؤاد
السنيورة أو الرئيس سعد الحريري، علماً أن سياسة الناي بالنفس التي انتهجها ميقاتي
تم صرف أرصدتها بالكامل في ما يرضي كل أعداء حزب الله في الداخل والخارج ولم تبتعد
كثيراً عن ما خطط له الامير السعودي وما يطمح إليه.
تتجه الأمور الى
حكومة "أمر واقع" إن تحت عنوان تكنوقراط أو غيره من دون مشاركة حزب
الله، فيما لن تستطيع نظريات النائب وليد جنبلاط حول تشكيل حكومة سياسية تضم كل
المكونات أن تجد لها مكاناً في التجاذب القائم حول هذا الموضوع ولا حتى هو مقتنع
بذلك فتصريحات بك المختارة حول الحزب والدولة في سورية دليل كاف على ما يراهن عليه
للمرحلة المقبلة بناء على ما قدم له من معطيات تقول أن اتجاه الريح بدأ يتغير وأن
لا داعي للخوف مما سيكون.. لكن لم يصح يوماً أن حسابات الحقل تطابقت مع حسابات
البيدر. فالمفاجآت التي وعد بها حزب الله في خوض صراعاته المفتوحة لم تكن تعني
"إسرائيل" حصراً.
تعليقات