"التدويل".. سورية تقسم العالم!


"التدويل".. سورية تقسم العالم!

البناء 12 آب 2013
محمد شمس الدين

إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن تأجيل اللقاء الذي كان مرتقباً بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين بسبب الخلاف حول الأزمة السورية إنما يعني سقوط آخر أوراق حصرها ودخولها من الباب الواسع على «التدويل» بما يعكس صيغة المحورين المتصارعين عالمياً وما ينسحب عليهما من اصطفافات دولية الى جانب هذا الفريق او ذاك.

وقد برز تطوران خطيران في الأسبوع الماضي على صعيد الأزمة السورية وامتداداتها الإقليمية والدولية تمثل الأول بتظهير الخلاف الأميركي الروسي حولها ما يعني أنهما لاعبان رئيسيان فيها ولو أنه تم نفي وجود «حرب باردة» بين الدولتين العظميين إلا أن ذلك ستكون له تداعياته على مجمل تحركهما حيال كل الملفات الخلافية في المنطقة بدءً من الأزمة السورية وصولاً الى مصر وليبيا وتونس وما يعرف بدول «الربيع العربي» إضافة الى العراق وتركيا والأردن وربما «إسرائيل» «المتأهبة» و»المسألة الكردية» التي لا تقل أهمية عما يجري في المنطقة ومناطق تواجدهم فيها ربطاً بما يرسم من خرائط جديدة لها.

الخلاف الروسي الأميركي الذي كانت تخفيه وتجمله اصول العلاقات الدبلوماسية قد انفجر ففي حين بادر الأميركيون الى الكشف عن هذا الخلاف لاعتبارات تعود الى ضعفهم الكامل في وضع شروطهم حيال الملف السوري بما يتناسب مع تطلعاتهم في المنطقة رد الروس بإعلان أنهم سيبادرون الى تزويد سورية بالدفعة الاولى من صواريخ أس 300 بعدما تم إنجازها وتسديد دمشق جزءً من ثمنها في موقف لافت في مضمونه وتوقيته ما يعني أن قرار استئناف الحرب قد اتخذ دولياً وهذا ما يشير الى صعوبة الخيارات التي على ما يبدو أن على جميع الأطراف مواجهتها في المرحلة المقبلة.

القرار الأميركي الأخير والى جانب عدم امتلاك الشروط التفاوضية التي تؤهلهم الجلوس مع الروس لمناقشة سبل حل الأزمة في سورية يرتبط مباشرة بما كانوا خططوا له منذ شهور وبدأوا تنفيذه على المستويين الأمني والعسكري بهدف إحراز تقدم على أرض المعركة هناك وهو ما تم إيلاؤه لرئيس الإستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان الذي نجح في توجيه بعض الضربات بهدف إحداث هزة في واقع الإنتصارات التي أحرزها الجيش والدولة في سورية وحلفاؤهما في الفترة الأخيرة فكانت السيارة المفخخة في بئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت وما استتبع ذلك من خطوات في الداخل اللبناني سياسية وامنية إضافة الى الدفع باتجاه تصعيد الوضع العسكري على معظم محاور القتال في سورية.

التطور الثاني الذي شهده الأسبوع الماضي يتمثل في خطة «بندر» التي ارتكزت على ما صدر من مقررات عن الجلسات السرية لاجتماع أصدقاء سورية في قطر في 28 حزيران الماضي والذي ضم قيادات عسكرية أميركية وبريطانية وإسرائيلية وتركية و»حلفاء عرب» أبرزهم السعودية التي صار اتفاق على توليها الملف السوري بعد إخفاق قطري دام سنتين وشملت تلك المقررات اعتماد خطة امنية عسكرية الهدف منها تغيير ميزان الحرب في سورية التي قبضت الدولة على مفاصلها. إلا أن الأخطر هو إدخال البلاد في أتون حرب مذهبية علنية ايضاً من خلال الهجوم على اللاذقية على الساحل السوري أو ما يعرف بـ»جبال العلويين» بهدف السيطرة عليها وهو الأمر الذي من شأنه أن يحدث حالة قصوى من «الإرباك» لدى الدولة ومؤسساتها في سورية الى درجة أن بعض التصريحات التي صدرت في غير مكان رأت بالهجوم إنذاراً واضحاً ببداية «سقوط النظام».

ما هدفت اليه عملية اللاذقية هو السيطرة على خمسة مواقع استراتيجية من شأنها قطع التواصل وخطوط الإمداد الرئيسية بين المدن السورية الكبرى كتعويض عن خسارة ذلك بعدما سقطت حمص والقصير اللتين كانتا تؤمنان ذلك القطع إلا أن معركة اللاذقية التي لم تستطع الجماعات المسلحة «المتعددة الجنسيات» أن تحسمها لن يكون سقوطها بأيديهم بالأمر السهل حتى لو استدعى ذلك تدخلاً من حلفاء الدولة في سورية بشكل أوسع من ذلك الذي تم من قبل حزب الله في الفترة الماضية تحت عناوين مختلفة لكن الثابت الوحيد فيها أن القتال يجري على خلفية صراع سياسي «وجودي» كامل في المنطقة والآن في العالم بعد خطوة التدويل الأميركية الأخيرة.

في هذه الاثناء اقتضت خطة التحالف الغربي العربي التي يقودها رئيس الإستخبارات السعودية أن يصار الى الهجوم الواسع على الشمال السوري وتحديداً حلب وما فيها من مواقع استراتيجية. وقد يكون الهدف الحقيقي من معركة اللاذقية هو تشتيت الإنتباه عن حلب لاحتلالها بالكامل من قبل الجماعات المسلحة المتعددة الجنسيات نفسها تمهيداً لتحقيق ما لم يتم تحقيقه على مدى عامين ونيف من القتال وهو إقامة منطقة عازلة تصلح لإدارة الحرب دولياً من داخل سورية وتكون محمية الظهر من قبل الاتراك وهو ما لا يمكن تحقيقه عبر لبنان أو الأردن أو العراق ولا حتى من «إسرائيل».


دخول الأزمة السورية نطاق «التدويل الكامل» سيكون له تداعيات كبرى ليس اقلها فوضى خلاقة في العالم وحروب بالجملة والمفرق في المنطقة لن تكون «إسرائيل» بعيدة عنها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار