قضية واحدة في مقاربات ثلاث

 قضية واحدة في مقاربات ثلاث
البناء 5 آب 2013
محمد شمس الدين

قد لا تجوز المقاربة بين خطابين أو ربما ثلاثة. واحد قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في يوم القدس العالمي، وثانٍ اذاعه رئيس الجمهورية ميشال سليمان في عيد الجيش، من بعبدا حيث "اللامكان" بين مسارين سياسيين يتنازعان لبنان البلد الأصغر والأكثر تأثيراً في أكبر قضيتين شهدتهما المنطقة منذ أكثر من 6 عقود، القضية الفلسطينية، والأزمة السورية، وثالث أطلقه رئيس حزب "المستقبل" سعد الحريري "المتواري" في السعودية، في إفطار رمضاني.

في الخطاب الأول حول فلسطين، أكد الأمين العام لحزب الله على الأولوية الإستراتيجية التي تحكم حركته السياسية والعسكرية والأمنية في مساره السياسي، وخضوع كل موقف أو ما يتصل به من مفاعيل عملية، لهذا المنطق، إن في لبنان الذي خاض حروباً مع إسرائيل على خلفية احتلالها لجزء منه على مدى أكثر من عشرين عاماً، أو في ما تلا هزيمتها وانسحابها إلا ما خلا بعض المواقع التي ما زالت مطلباً تتم متابعته في ظل حالة الحرب التي ما زالت مستمرة بالرغم من وقف العمليات القتالية في آب 2006 بين لبنان حزب الله وحلفائه وإسرائيل.

ما قاله السيد في يوم القدس تجاوز كل التوقعات بحديثه عن التزام المسلمين الشيعة بالقضية الفلسطينية والقدس التي لا يملك قرارها أحد، فهي بحسب معتقدات الأمين العام ومواليه "قدس الله" ولا يحق لمطلق أن يقرر بشأنها ولو كان فلسطينياً لأنها ملك المسلمين كما المسيحيين على امتداد العالم وتمس معتقداتهم وما نشأوا عليه، وربما أراد السيد إطلاق هذا الموقف الإستراتيجي في هذا اليوم العالمي ليوجه رسالة الى من يضطلعون بمهمة إعادة إحياء المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية برعاية أميركية في ظل الإنشغال والإضطراب اللذين يسودان في معظم الدول العربية والشمال الإفريقي، وليقول أن لا شيئ سيشغلنا عن القضية المركزية التي هي هدفنا الأساسي. وليس خفياً أن هذا الموقف يعبر عن ما تؤمن به إيران وما تعمل عليه في هذا السياق مع الفلسطينيين وغيرهم في العالمين العربي والإسلامي في مواجهة مخططات الفتن الطائفية والمذهبية ومشاريع التقسيم التي تتعرض لها المنطقة.

لا ينفصل ما أعلنه السيد في يوم القدس عن ما انتهجه في الأزمة السورية ومشاركة حزبه في القتال الدائر فيها الى جانب الدولة ورئيسها بشار الأسد. لم يكن هذا القتال في يوم من الأيام مذهبياً أو طائفياً بالرغم من المحاولات الحثيثة لإلباسه هذه الصبغة المقيتة بهدف تشجيع الإرهابيين على الإنضمام للجماعات المسلحة تحت عناوين شتى منها هذا النوع. إنه الصراع السياسي نفسه والقضية المركزية نفسها منذ عشرات السنين.. فلسطين.. إسرائيل.. حروب.. اعتداءات.. ومقاومة الأمر الذي انتهجته سورية ولم تتخل عنه في أصعب الظروف وهي تحملت عبء هذا الموقف الى درجة تقديم الدولة برمتها على مذبح "الإستشهاد" أو النصر الموعود الذي عبر الاسد عنه في عيد جيش بلاده المتزامن مع عيد الجيش اللبناني.

إذاً هي قضية الصراع المفتوح و"الممتد" خارج إطار التسويات التي يسعى إليها الأميركيون وما اصطلح على تسميته بالتحالف الغربي – العربي خدمة لإسرائيل ومواصلة احتلالها وإعادتها الى "دولة الجيش" الذي لا يقهر استمراراً لنهج الهمينة والسيطرة على مقدرات المنطقة وشعوبها.

في الخطاب الذي أطلقه الرئيس اللبناني في يوم عيد الجيش كان واضحاً أنه اختار الرهان على ذلك "التحالف" المتحالف مع "إسرائيل"، شن هجومه على المقاومة بشكل مباشر وعلى سورية ضمناً، أي أنه خرج بذلك على الإلتزام بالقضية الفلسطينية وعن القدس، وذهب الى منطق التسويات التي تحاول تلمس طريقها والإنسلال في ظل أزمات المنطقة، والتي يسعى أيضاً الى سحبها على سياسته الداخلية في القضايا الساخنة التي تتصل بأمن البلد وما يجري فيه، وتلك الباردة منها التي تمس إعادة صياغة المؤسسات الدستورية فيه، من حكومة وإدرات وما شابه، لكن الرئيس الذي على ما يبدو يطمح الى تجديد ولايته من خلال تلك المواقف قد غاب عنه أن القرار في هذا الشأن لم يعد متمركزا في الأماكن التي كان فيها وأن أن أي تفصيل في تركيبة لبنان بات يخضع لتوازنات من نوع آخر غير التي اعتاد عليها وغيره ممن سلف منذ نشأت "الصيغة" في لبنان عام 1943.

التوازنات الجديدة يجب ان تراعي بـ"القوة" كل الإنجازات التي تحققت خلال العقدين الأخيرين إن في لبنان أو في المنطقة وقضية صراعها، وهو ما لن يسمح بالتنازل عنه أو الإستخفاف فيه وهو أيضاً ما ظهر من خلال العديد من الحوادث التي مرت في الفترة الأخيرة على لبنان في شقيها الأمني – العسكري والسياسي بما يعنيه ذلك من تشكيلات طالت أكبر المواقع فيه وصولا الى الحكومة التي لم ولن تبصر النور من دون تلك التوازنات. 
فلا مواقع مسؤولية شاغرة لا سيما الحساسة منها ستملأ من دونها كما تلك التي ستشغر حتى رئاسة الجمهورية التي في الاساس لم يعد لها التاثير نفسه بعد الطائف الذي صادر الحد القصى من صلاحياتها وأعطاها للحكومة ورئاستها والتي لم ينعكس عدم ولادتها حتى الآن سلبيات تذكر على مجمل الأوضاع في لبنان بل ربما على العكس فإن "تجميد" العمل الحكومي في "منطقة تصريف الأعمال" قد خفف من الضغوطات والتوترات التي كانت تتنقل بالبلد في ظل اللاقرار الناشئ عن سياسة "النأي بالنفس" التي رفعتها كشعار لها.

في الخطاب الثالث الذي لم يتقدم صاحبه اية خطوة منذ آخر إطلالة له وما ينقل عنه في "تويتر" وبـ"التواتر"، أطلق سعد الحريري من "صومعته" صرخته لتشكيل حكومة من دون مشاركته فيها مقابل عدم مشاركة حزب الله، فهو وبغض النظر عن وضع نفسه وتياره في موازاة الحزب، فإنه ينطلق من موقع ذلك التحالف العربي – الغربي الذي أعلن مواجهته المفتوحة والمباشرة مع حزب الله وأرسل تهديده ووعيده وسياراته المفخخة كرسائل حرب وتبني سياسة الإتحاد الأوروبي تجاهه، كما أن الشق العربي فيه يعمل على تنفيذ إجراءات يعد بأنها ستكون أقسى من قرار وضع الحزب على "لائحة الإرهاب" الأوروبية.

لا يعدو خطاب الحريري مناسبة لإعادة التواصل مع جمهور محبط في زمن فقدان الموائد الرمضانية العامرة بأفخر الأطعمة والمواقف، فيما تبدو فيه الأمور معلقة الى حين رجحان كفة الحرب المستمرة في كل من "القدس" و"الشام".     
   




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار